في وقت الأزمات والحروب، يصبح صوت أجسادنا هو الصوت الأقوى معرباً عن رفضه لكل الأحداث الخارجية من حوله. ينبّهنا جسدنا من خلال جملة الأعراض الجسدية التي قد تظهر بشكل مفاجئ وغير متوقع مما يؤدي إلى الحدّ من القيام بالأنشطة أو ممارسة الحياة بشكل طبيعي.
حقيقة، إنّ الجسد هنا يقول لك "أنا الذي سأقرر كيف سيكون مسار يومك"، وقد تكون هذه الأعراض الجسدية كالألم في المعدة أو الصداع وغيرها ما هي إلا نتيجة للضيق العاطفي الذي نشعر به. السؤال الأبرز هنا، ما الذي يحدث في أجسادنا؟ وكيف يمكننا تفسير العلاقة القوية بين الجسد والعواطف والعقل؟ وما هي أبرز الأعراض النفس جسدية التي قد تظهر في وقت الأزمات؟ وكيف يمكننا التعامل معها؟
يشير "ثالوث حياتنا" إلى الجوانب المترابطة لوجودنا والتي تشكل رفاهيتنا: الجسد والعقل، والعواطف. ترتبط هذه المكونات ارتباطاً وثيقاً، وتعمل معاً لتحديد تجاربنا واستجاباتنا للعالم من حولنا. في لحظات الخطر وعندما يشعر الفرد بالتوتر أو الضغط النفسي، يقوم العقل بإرشاد الغدة الكظرية لإفراز هرمون الكورتيزول. يلعب هذا الهرمون دورا حاسما في مساعدة الجسم على التعامل مع الضغوطات ويحفز استجابة الهجوم او الهروب، ويعمل بشكل فعال كنظام انذار متكامل مع البيئة المحيطة.
على سبيل المثال، إذا واجهت موقفا يشبه مطاردة كلب بري لك، فإن رد فعلك الجسدي سيكون إما في الهروب من الموقف أو الدفاع عن نفسك. خلال مثل هذه اللحظات، ستلاحظ التفاوت في الأعراض الجسدية مثل زيادة معدل ضربات القلب أو التعرق، حيث يتفاعل جسمك بشكل طبيعي لحمايتك من التهديد.
وفي الحروب والأزمات، حيث يتعرض الفرد بإستمرار للخطر ويشعر بعدم الأمان، يتدفق الكورتيزول بكميات كبيرة. ونتيجة لذلك، تظهر الأعراض المرتبطة بالتوتر بأشكال مختلفة، بما في ذلك:
- أعراض مرتبطة بالدماغ: التوتر الشديد يتسبب بالإجهاد، وقد يؤدي الى الصداع أو الدوخة بسبب التفكير السريع وزيادة اليقظة.
- توتر وألم في العضلات: يؤدي التوتر الى تفاقم توتر العضلات، مما يؤدي الى تصلبها وألمها المزمن.
- التعرق: يزداد التعرق في الجسم كجزء من استعداده للحركة السريعة أو مواجهة التهديد، أو بسبب الشعور بالبرد، حيث تنقبض الأوعية الدموية الموجودة في الجلد لتحويل الدم لمجموعة العضلات الرئيسية .
- مشاكل في الجهاز الهضمي: وتشمل آلام المعدة، وحرقة المعدة، وتغيرات في الأمعاء، والتي قد تمتد إلى جفاف شديد أو طعم مرير في الفم.
- التعب: ينتج التعب عن الإرهاق العاطفي، مما يجعل من الصعب القيام بالأنشطة اليومية.
- اضطرابات النوم: يمكن أن يؤثر القلق والضغط الزائد على أنماط النوم، مما يسبب الأرق أو الكوابيس، أو حتى زيادة اليقظة.
- أعراض القلب والأوعية الدموية: تشمل زيادة في معدل ضربات القلب، أو خفقان القلب، أو الشعور بضيق في الصدر بسبب صعوبات في التنفس.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الأعراض يمكن أن تشتد إذا تعرض الفرد لصدمة سابقة مشابهة للأزمة المستمرة، مثل التعرض المتكرر للحرب. في مثل هذه الحالات، قد تصبح الأعراض النفسية الجسدية أكثر حدة واستمراراً.
لذلك يجب على كل فرد التعامل مع هذه الأعراض بحذر والسعي لفهمها بعمق. في حين أن الادوية ومسكنات الألم قد تخفف بعض هذه الأعراض، إلا انها لن تقدم حلا نهائيا. في حالات الحرب، يعد طلب الدعم النفسي وفهم هذه الاعراض كرد فعل طبيعي للظروف الصعبة أمراً بالغ الأهمية.
إن توفير مساحة للتواصل مع أجسادنا ودمج تمارين التنفس والأنشطة البدنية، وتقليل تناول الكافيين، وتعديل الروتين اليومي يمكن أن يساعد في تخفيف شدة هذه الأعراض.
إن فهم العلاقة القوية بين العقل والجسد، وإدراك أن الضغط والتوتر يمكن أن يظهرا على المستويين النفسي والجسدي، يمكن أن يساعدنا في التعامل بفعالية مع التحديات النفسية والجسدية التي نواجها في أوقات الحرب والأزمات.