لو قُدِّر لصندوق الرسائل الخاص بي أن يصبح ناطقا، لباح بكثير من شجون الحب التي تطلق عبره، والأكثر منها آهات الألم التي تعلو بعد توقف ذلك الحب، فذاك لا يستطيع نسيان حبيبته وتلك لا تستطيع مغادرة محطة ما بعد الطلاق، وقصص كثيرة تعج بالزفرات والأوجاع. إن الانفصال في العلاقات كأس يشربه الكثيرون، وأحيانا يكون ألمه أشد من الألم المرافق للوفاة لأنه يتركنا مع شعور بالرفض والخذلان. بالإضافة إلى تدفق الأفكار والذكريات التي تجعلنا أسرى لظل تلك العلاقة.
عندما يحدث الانفصال، ينكسر القلب وعندها سيصعب عليك الوثوق بما يخبرك به عقلك، عندها قد تشعر بتهشّم قلبك حرفيا أو أنه صار نازفا بلا توقف، في بعض الأحيان قد يصعب علينا الاستمرار في العيش. إن القلب وهو مصدر الحياة يصبح بعد الإنفصال مصدر الألم، والذي يعمل بدوره – أي الألم - على إطلاق الكثير من الكلمات المحترقة التي تتجمع في الحلق عاجزة عن الخروج مسببة لنا غصة مهلكة لا تسمح حتى لقطرات الماء أن تنزل في جوفنا، فيندفع الدمع خارجا من عيوننا.
إن هذا الألم العاطفي الدرامي من شأنه أن يجعل حتى الأكثر منطقية منا يتوصلون إلى ألغاز ونظريات مؤامرة لا أساس لها من الصحة لتفسير انتهاء الحب. ونصبح مهووسين بمعرفة ما كان ونراجع كل دقيقة من تاريخ العلاقة، ونبحث في ذاكرتنا عن أدلة لم تكن موجودة. إن حسرة القلب هي أكثر غدرا مما ندرك، حيث أظهرت دراسات الدماغ أن انسحاب الحب ينشط نفس الآليات في دماغنا التي يتم تنشيطها عندما ينسحب المدمنون عن مواد مثل الكوكايين أو المواد الأفيونية. عندما نمر بالانسحاب نبحث بشكل قهري عن المادة الإدمانية مما يؤخر العلاج. إن المدمنين يعرفون أنهم مدمنون، كما أنهم يعرفون أنه يجب الانقطاع تماما عن مادة إدمانهم. لكن إذا كسر قلبك، عليك أن تدرك أنه مع كل رحلة في أزقة الذاكرة، وكل رسالة ترسلها، وكل ثانية تقضيها في مطاردة حبيبك السابق على وسائل التواصل الاجتماعي ، فأنت بذلك تغذي إدمانك، وتعمق ألمك العاطفي وتؤخر التعافي.
تشير الدراسات التي أجريت على الأشخاص المنفصلين بعد علاقة حب أن وجود فهم واضح لسبب انتهاء العلاقة مهم حقًا لقدرتنا على المضي قدمًا. ومع ذلك ، عندما يُعرض علينا مرارًا وتكرارًا شرح بسيط، فإننا نرفضه. يتخلق ألم شديد، وتخبرنا أذهاننا أن السبب يجب أن يكون قويا بنفس الدرجة. لا يوجد تفسير لانتهاء الحب سيشعرك بالرضا أو يزيل الألم الذي تشعر به. لذا لا تبحث عن سبب أو مبرر، فقط اقبل أي مسوغات، لأنك بحاجة إلى هذا الإغلاق لمقاومة الإدمان. وأنت بحاجة أيضًا إلى أن تكون على استعداد للتخلي، لقبول أن الأمر انتهى. خلاف ذلك سوف يتغذى عقلك على سراب ويعيدك إلى الوراء. يمكن أن يكون الأمل الزائف مدمرًا بشكل لا يصدق.
قد نقضي ساعات طوال نتذكر ابتساماتهم، كيف جعلونا نشعر بالروعة، نستذكر الرحلات التي خضناها معا، كل ما يفعله هذا هو جعل خسارتنا أكثر إيلامًا. نحن نعرف بأن ذلك انتهى، وبالرغم من هذه المعرفة، ما زلنا نسمح لأذهاننا بالاجترار وهذا يحتجزنا كرهائن في تلك العلاقة. لذا علينا أن نتذكر أيضا عبوسهم، والجدالات الصاخبة التي كانت لنا معهم واستحضار كل الطرق التي أخطأ بها الشخص في حقنا، وكل الصفات السيئة، والاحتفاظ بها لتكون لنا ترياقا ضد ساعات الحنين إلى ماضي تلك العلاقة. ستحاول أن تخبر نفسك أنهم كانوا مثاليين، لكنهم لم يكونوا كذلك أبدا، ولم تكن العلاقة معهم بتلك الملائكية، وإذا كنت تريد تجاوزها ، فعليك تذكير نفسك بذلك كثيرًا. وكذلك ليس من المستحسن شيطنة الأشخاص الذين انفصلو عنا ولكن فقط التوازن في استدعاء الذكريات.
نتيجة أخرى لتحطم القلب هي أن الشعور بالوحدة والألم يمكن أن يضعف بشكل كبير وظائفنا الفكرية، خاصة عند أداء المهام المعقدة التي تنطوي على المنطق والاستدلال وذلك يخفض الذكاء والقدرات المنطقية لدينا مؤقتًا. يشترك تحطم القلب في جميع السمات المميزة للفقدان والحزن التقليدي: كالأرق ، والأفكار المتطفلة ، وخلل الجهاز المناعي. إن تحطم القلب هي إصابة نفسية معقدة، حيث يعاني 40٪ من الناس من الاكتئاب القابل للقياس سريريًا. بالمقابل هناك آخرون يشعرون بعد الصدمة الأولية للخسارة بالحاجة إلى تنحية حزنهم جانبًا خشية أن يغرقهم بشدة. هذا أمر مفهوم، لكن كلما طالت مدة تجنبك للألم وحاولت دفعه بعيدًا، زادت صعوبة الخروج من حالة الشلل، وسيستمر الألم في العودة حتى بعد اعتقادك أنك تركته خلفك.
مع فقدان الحب نفقد أيضا جزءا هاما من حياتنا الاجتماعية و المجتمع الداعم لنا وهويتنا التي كوّناها كأفراد مساهمين في العلاقة. يترك الانفصال فراغا ضخما في حياتنا. وهذا أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لأنه يفسر لماذا يمكن أن يكون تحطم القلب مدمر للغاية، ولكن لأنها تخبرنا كيف نشفى ونجبر قلبنا المكسور. كما عليك لنفس الغاية أن تحدد الفراغات التي نتجت في حياتك بعد الانفصال وتحاول ملء كل منها؛ الفراغات في هويتك، عليك أن تعيد تحديد من أنت وعلى ماذا تدور حياتك. الفراغات في حياتك الاجتماعية، الأنشطة المفقودة، حتى المساحات الفارغة على الحائط حيث كانت الصور معلقة لمن تحب.
لتجبير القلب المكسور أيضا عليك أن تكون واعيا للأخطاء التي قد تقع فيها أثناء محاولتك التشافي، فالبحث غير الضروري عن التفسيرات، والعيش على أطلال الماضي، واتهام النفس بكل سوء وتحميلها مسؤولية فشل العلاقة، وترك الأمور معلقة وانتظار الآخر لينهي علاقة بدأت سكرات موتها، كل تلك أخطاء مفجعة ستزيد من ألم قلبك لا محالة.
تحل بالمرونة وابحث من جديد عن الأنشطة التي فيها شغفك وسلواك واكتشف مواهبك من جديد. بدلا من الجلوس منتظرا معجزة تحلّ عليك، اصنع معجزتك بيديك ورمم قلبك واعلم أن هناك في هذا العالم الواسع من يلائم روحك ويناسب شخصيتك وسيكون بلسما لجراحك. كما عليك أن تعيد إقامة التوازنات المهمة في حياتك فكن أكثر حضورا مع أفراد عائلتك وأكثر تفاعلا مع أصدقائك، وخصص لهم جزءا من وقتك فالتفاعلات الاجتماعية تلك تخفف من ألم الانفصال وتساعد في تشافي القلب.
وأخيرا إن كنت تعرف شخصا محطم القلب فاحرص على التعاطف معه وكن صادقا في ذلك، وتحل بالصبر فقد يستغرق منهم الأمر وقتا للمضي قدما أكثر مما تعتقد.