خلال اليومين الماضيين، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور امرأة شقراء في شوارع رام الله، كثر الحديث عنها في سياقات متعددة لن نذكرها هنا حتى لا نكون عاملا مساعدا في نشرها، لأن ما يجمعها كلها هو البُعد السلبي والمنطوي على اتهامات شنيعة وأوصاف غير لائقة، بلا دليل أو بيّنة. بل إن البراهين والتحقيقات الموثوقة أظهرت أنها تعاني من حالة نفسية حادة أثرت على سلوكها وأفعالها. لكن العتاب والمساءلة تكون للراشدين المسؤولين عن أفعالهم وأقوالهم الذين يجوبون صفحات الفيسبوك والمواقع الفضائحية ملقين بالنكات والاتهامات بلا رادع ولا ضمير، مما أثار الشائعات والذعر في المجتمع، متسابقين في نقل الخبر والصور التي تنتهك الكرامة الأساسية لتلك السيدة. وهنا نود توضيح النقاط التالية:
- السيدة المذكورة هي امرأة ناضجة وأم، ولديها عائلة وأصدقاء، لكن لم يفكر كثيرون في شعورهم حين يقرأون تلك التعليقات المسيئة. بل لم يفكروا كيف سيكون شعورها هي نفسها عندما تستقر حالتها النفسية وتقرأ ما كتب عنها. إن أثر تلك الكلمات التي خرجت من أفواه الناس دون أن يلقوا لها بالا، سيكون مؤلما وبعيد المدى على كل من له علاقة بها.
- اتهام تلك المرأة بالتحول الجنسي وذلك لأنها ببساطة لا تشبه الشكل النمطي الرائج للمرأة في هيئتها العامة ينمّ عن جهل كبير وقصور نظر، ويكشف عن كراهية وتحريض على المتحولين جنسيا وعلى المغايرين في النوع الجندري، وهذه قضية أخرى لن نتطرق لها في هذا النص القصير.
- عدم تصديق البعض أن تصرفاتها ناتجة عن اضطراب نفسي حتى بعد أن أعلنت الشرطة ذلك، بحجة أنها حسنة الهيئة و تضع مساحيق التجميل وارتدائها للملابس بشكل جيد، يدل على صورة مغلوطة للمريض النفسي.
- إن الحالة النفسية التي تمر بها تلك السيدة هي ليست حكرا عليها، وليس لدى أيٍّ منا مناعة ضد هكذا اضطرابات، فهل نحب أن يعاملنا الآخرون أو يعاملوا أحد أفراد عائلاتنا كالمعاملة التي تلقتها هذه السيدة من رواد وسائل التواصل الاجتماعي؟!
- إن ما ظهر من اضطراب في سلوك وأفعال وكلام تلك السيدة كان يستدعي الاستعجال في طلب المساعدة لها والتواصل مع الجهات المختصة لنجدتها وليس كيل الاتهامات والسباب عليها ونشر الذعر بين الناس.
- رأينا كيف تم التعامل معها في الشارع من أحدهم، بالصراخ والسباب والتهديد، مما يذكرنا بالتعامل مع المرضى النفسيين في القرون الوسطى ووضعهم في سفينة بلا قبطان للتخلص منهم. عدا عن توثيق ذلك واقتحام خصوصيتها بتصوير الفيديوهات، وهذا مؤشر واضح على جهل الكثيرين بكيفية التعامل الصحيح مع من يعانون من اضطرابات نفسية.
- بلغ تجاوز البعض للحدود أن يطلب ممن يراها أن يقوم بدهسها بلا تردد، إن ذلك لا يدل على جهل فقط، بل على اضمحلال معاني الإنسانية والكرامة في نفوس البعض، والمجاهرة بالعنف والاعتداء دون ضابط أو رادع.
وفي الختام، نرجو أن تكون قصة السيدة الشقراء فرصة لزيادة وعي وحساسية المجتمع تجاه من يعانون نفسيا، ونبرق دعوة لجميع الصفحات التي نشرت الأخبار والفيديوهات والصور بطريقة تذكي الشائعات وتثير الذعر وتروع الناس، وللأشخاص الذين علقوا بكلمات مسيئة واتهامات جارحة، أن يقوموا بمسح كل ما يسيء لهذه السيدة، متمنين لها السلامة والعافية، وللمجتمع شفاء عاجلا من الجهل والأذية.