من أهم التحديات التي واجهتني في بداية عملي كمرشدة طلابية، كيفية التعامل مع المشكلات التي تواجه الطلبة، خاصة المتعلق منها بتعرض أحدهم لأحد أشكال العنف، كالضرب، الشتائم، الصراخ، التنمر؛ وغيرها. فالعائق الأكبر والذي بدا الأكثر وضوحا، عدم امتلاك الأطفال "للمهارات الاجتماعية" الهامة التي تمكنهم وتساعدهم في حل مشكلاتهم. هنا يأتي دور عملية الإرشاد النفسي.
ما هو مفهوم الإرشاد النفسي؟
الإرشاد النفسي هي العملية التي تربط ما بين طرفين الأول: هو المرشد النفسي وهو الطرف المتخصص والثاني: هو صاحب المشكلة. تكون طبيعة العلاقة التي تربط الطرفين علاقة مهنية قائمة على التخصص لا يسعى فيها المرشد إلى إيجاد حلول جاهزة لصاحب المشكلة، بل يهدف إلى دفع صاحب المشكلة لإدراكها، وخلق الوعي لديه لتمكينه من اتخاذ القرار المناسب في سبيل حلها.
ما هو دور المرشد النفسي في مرحلة الطفولة؟
في هذا الشأن، أرغب مشاركتكم أهم الخطوات التي يفضل اتباعها عند القيام بعملية الإرشاد النفسي لمرحلة الطفولة، التي استخلصتها من مشاهد حقيقة. كي يصبح دوره أكثر واقعية وفعالية واكتمالا.
1. تهدئة الطفل، والإقرار بمشاعره: جاءني طفلٌ باكيا لأن أحدهم ركله في قدمه، أجلسته على كرسيّ، ودنوت منه أنظر في عينيه وسألته: هل هذا آلمك؟ هل أنت حزين؟ هل تشعر بالغضب من زميلك الذي ضربك؟ أسأله وأنا أمسح الدموع، وأقدم له مفردات تساعده على "فهم مشاعره" والتعرف عليها. مفاهيم لها علاقة بالعواطف يجد من خلالها أني "أتعاطف معه"، أتفهمّ ما يختلج صدره. كي أتمكن من الانتقال للخطوة الثانية.
2. أهمية السؤال: ما الموقف الذي جعل زميلك يضربك؟ في هذه الحالة لا أطرح سؤالا: "ماذا فعلت؟" لأنّ فيه شيئا من الاستجواب والتحقيق، مما يمنع الطفل من التعاطي معي لكونه يشعر بشيء من عدم الأمان أمام هذا النوع من الأسئلة. من المهم تجنّب "شخصنة الأسئلة" بالتركيز على الموقف أو المشكلة الحاصلة لا على الطفل كطرف أو مشارك فيها.
3. لا للتحليل والتبرير: ليس من وظيفتنا تحليل الأمور، كالقول: يبدو أن الطفل ضربك لأنك ضايقته، أو يبدو أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها للضرب. لا تلعبي دور المحلل. إنما الحصول على معلومات حقيقية وقعت يخبرك بها الطفل. كما أن التبرير لن يحل المشكلة: هو لا يقصد أن يضربك، هو لا يعلم أن بهذه الضربة سيؤلمك، هذا الطفل يضرب كل الأطفال وليس أنت الوحيد الذي تعرضت للضرب.
4. ضع الكرة في ملعبه: ركلت طالبة زميلتها بضربة قوية إلى حد ما في منطقة البطن، استدعيتُ الفتاتين، وطرحت سؤالي على من قامت بالاعتداء، ما الذي علينا فعله الآن؟ صمتت. كان بإمكاني كمرشدة أن أقدم حلولا وألعب دور المرشدة الخارقة، لكن حاولت أن أعطي مساحة كي تتمكن الطالبة من التفكير بطرق حل المشكلة. التفكير مهم هنا في هذه الحالة، التفكير هو من يصنع شخصية الطفل، تجعله ذكيا قادرا على مواجهة التحديات. فاقترحتْ أن تقوم بالذهاب برفقتها إلى المشفى، أو التحدث مع والد الفتاة التي تعرضت للاعتداء، وتقدم له ولابنته الاعتذار الكامل، وفعلا تم اللجوء للخيار الآخير بعد موافقة الطالبة التي تعرضت للضرب.
على أطفالنا أن يروْا نتيجة أفعالهم، أن يشعروا بالألم الذي يسببونه للآخرين، أن يكونوا مسؤولين عنها، يتحملون عواقبها، ويشاهدون ويتعلمون طريقة التعامل معها، بدل أن نقتحم مساحتهم، ونبدأ بإعطاء التوجيهات والنصائح. لعلهم بهذا يتجنبون في أن يكونوا مصدر للمشاكل.
5. عدم الإنقاذ وتقديم الحلول، إن كنت مرشدة، أما، أبا أو مربية. أنت موجودة في عالم الأطفال لتأخذي الحلول من أفواههم، لتعلميهم مهارات التعامل مع المشاكل، والدفاع عن ذواتهم.
أمهات كثر يأتون قائلين: طفلي ضُرب وأريد أن أنال من الطفل الذي ضربه، طفلي تعامل معه الأستاذ بطريقة غير لائقة أريد محاسبته، طفلي يتعرض للتنمر أريد أن أوقف هذه المهزلة. لكنك عفوا لماذا أنت كأم عليك أن تلعبي دور المنقذة؟ لماذا تريدين حل الأمور عن طفلك؟ لماذا لا يقوم طفلك بحلها؟ لماذا لا تعلميه مهارة المواجهة والبحث عن سبل وأدوات لحل المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها.
مرحلة الطفولة من المراحل الهامة في حياة الإنسان فيها تترسخ العديد من القيم والمبادئ والمفاهيم التي ترسم شخصية ووعي أطفالنا، وحتى نتمكن من بناء حياة نفسية واجتماعية لطفلنا تكون قائمة على أسس صحية لابد من الإيمان بأهمية ودور الإرشاد النفسي في مرحلة الطفولة، الذي يمكن كل من الأهل والطفل على استثمار مرحلة الطفولة في تعليم الطفل بشكل فعال يمكنه من إدراك مشكلاته والسعي لإيجاد حلول لها.