النرجسية عامّة هي سمة شخصيّة يتميز صاحبها بإحساس كبير بأهميّة ذاته، وانشغال مفرط باحتياجاته الخاصّة ورغباته وإنجازاته، مقابل غياب أو نقص في تعاطفه مع الآخرين، حيث يميل الأفراد النرجسيّون إلى أن يكون لديهم تقدير مبالغ لذواتهم، واعتبار متضخم لقدراتهم، ويعتقدون من هذا المنطلق أنهم مميّزون وفريدون عن غيرهم، ويتوقّعون من الجميع معاملتهم على هذا النّحو.
قد يضمر الأفراد النرجسيون أيضًا مستوى عاليا من الشعور بالأحقيّة، ويعتقدون أنهم يستحقون معاملة خاصة وإعجابًا لا متناهيا من الآخرين، وقد تجد النرجسي منغمسا دائمًا في تخيلات حول مدى نجاحه وقوّته وجاذبيته، وقد ينخرط في سلوك يعزّز صورته الذاتيّة، مثل السعي وراء اهتمام وإعجاب الآخرين.
وجدير بالذكر أنه في حين أن مستوى معين من حبّ الذات أو الثّقة بالنفس أمر طبيعي وصحّي، إلا أنه قد ينجرّ عن النرجسيّة الشديدة أو المرضيّة آثار سلبيّة على الفرد كما على من هم حوله، وقد يشمل علاج اضطراب الشخصيّة النرجسيّة الأدوية وتغييرات في نمط الحياة.
اضطراب الشخصيّة النرجسيّة
يمكن النّظر إلى النرجسيّة على أنها طيف، حيث يُظهر بعض الأشخاص أشكالًا متطرفة من النرجسيّة أكثر من غيرهم، وفي الحالات القصوى، يمكن أن تصبح النرجسيّة اضطرابًا في الشخصيّة، يُعرف باسم اضطراب الشخصيّة النرجسيّة، وقد يواجه الأشخاص المصابون باضطراب الشخصيّة النرجسيّة صعوبة في تكوين علاقات حقيقيّة مع الآخرين، وقد يعانون من مشاعر الضعف أو انعدام الثقة، وقد ينخرطون في سلوك استغلالي أو لا أخلاقي، في سبيل الحفاظ على شعورهم بالتفوّق والسيطرة.
ولدى كافّة الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصيّة النرجسيّة سمات نرجسيّة، لكن هذا لا يعني أن كل شخص لديه اضطراب الشخصيّة النرجسيّة يتصرف بنفس الطريقة، وهناك أنواع مختلفة من اضطرابات الشخصيّة النرجسيّة التي تظهر خصائص تنفرد بها الواحدة عن الأخرى، وبمعرفة كيفيّة التمييز بين الأنواع المختلفة، يمكنك تعلّم كيفية التعامل مع شخص لديه اضطراب الشخصيّة النرجسيّة بطريقة أكثر صحة وإنتاجيّة.
لتبسيط الأمور، هناك نوعان رئيسيّان من النرجسيّة: العلنيّة والخفية، وبالرغم من اشتراك كلا النوعين في بعض السّمات، إلا أنهما ينعكسان أيضًا في سلوكيّات متميّزة إلى حدّ ما، ثم هناك أنواع أخرى أقل شيوعا وحدّة، وإليك قائمة تفصيليّة بكل هذه الأنواع:
1. النرجسية العلنيّة (المعروفة أيضًا باسم النرجسيّة الوكيل): غالبًا ما يُنظر إلى النرجسية العلنية بطريقة سلبية، لكن في المقابل، عادة ما تكون الشخصيّات النرجسية العلنية ساحرة ومحبوبة، ويعتقد الخبراء أن هناك فئتان من النرجسية العلنية: التكيفيّة وغير التكيفيّة.
- تجعل النرجسية التكيفية المرء يبني ثقته بذاته من أجل حماية نفسه، وإنه قائد بالفطرة وغالبًا ما ينجذب إلى الوظائف التي تقدم مناصب قياديّة، فهو يتوق إلى السلطة والهيبة ومستعد لفعل كل شيء للحصول عليهما.
- تعني النرجسية غير التكيفية أن يكون لدى شخص ما اعتبار مرتفع لذاته بشكل طبيعي ويعتقد أنه يحقّ له استغلال الآخرين، وهذا قد يجعله يحاول السّيطرة أو التّلاعب بمن حوله، وقد يغضب أو يصبح عدوانيًا إذا اختلف معه شخص آخر أو حاول وضع حد لتماديه.
2. النرجسية الخفيّة (وتعرف أيضًا باسم النرجسيّة الضعيفة): غالبًا ما يكون لدى أصحاب اضطراب الشخصيّة النرجسيّة الضعيفة تصوّرات لا معقولة للنجاح، فإنهم يعتقدون أنهم يستحقون ردود فعل إيجابيّة من الآخرين، لكنهم لا يتخذون الخطوات اللازمة لكسب هذا الثناء، ويمكن أن يؤدّي هذا النكران إلى نشوء انفعالات عاطفيّة، مما قد يجعلهم يشعرون بمستويات شديدة من الخجل، وأكثر سمة شخصية شيوعا بين أصحاب الشخصيّة النرجسيّة الضعيفة هي لعب دور الضحيّة، ومن الشائع أن يعاني الأشخاص المصابون بهذا النوع من النرجسيّة من الاكتئاب والرهاب، وتجدهم يحسدون من حولهم ويميلون إلى تحميل الآخرين مسؤولية فشلهم.
3. النرجسيّة الطائفيّة: إن السّمة المشتركة بين العديد من أنواع اضطرابات الشخصيّة النرجسيّة هي الفجوة بين الطريقة التي ينظر بها المرء إلى نفسه وكيف يتصرّف، وينظر الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصيّة النرجسيّة الطائفي إلى أنفسهم على أنهم نبلاء للغاية، لكنهم يتصرفون عكس ذلك، في حين أنهم قد يغضبون عندما يشهدون ظلمًا أو يرون أحدهم يتعرض لسوء المعاملة، إلا أنهم لا يطبّقون نفس المستوى من الاستنكار على سلوكهم.
4. النرجسيّة العدائيّة: إن روح المنافسة هي سمة شخصيّة مرتبطة بالعديد من أنواع اضطرابات الشخصيّة النرجسيّة، ولكنها ملحوظة بشكل خاص في من يعانون من هذا النوع من النرجسية، ويخلق انخفاض مستوى الثقة في الآخر لدى أصحاب الشخصيّة النرجسيّة العدائية ميلًا إلى رؤية الأشخاص من حولهم كمنافسين، فمن الشائع أن يتجادل هؤلاء مع الآخرين ويخلقوا عداوات مجانية، إضافة إلى التعامل مع معظم التفاعلات الاجتماعيّة على أنها مسابقة.
5. النرجسيّة الخبيثة: أعراض اضطراب الشخصيّة النرجسيّة الخبيثة شديدة ويمكن أن تتداخل مع نوعية حياة الشخص، وغالبًا ما يظهر المصابون بهذا النوع من النرجسية جنون العظمة وقد تستحوذ على عقولهم التهديدات التي تقتصر على وحي خيالهم، ولا يستغرب منهم إظهار السلوك الانتقامي أو حتى الساديّ، إضافة إلى مستويات عالية من العدوانية عند التفاعل مع الآخرين.
6. النرجسيّة المغرية: إن المصابين باضطراب الشخصيّة النرجسيّة المغرية على دراية خطيرة بأهميّة الإطراء، فمثل بعض الأنواع الأخرى من اضطراب الشخصيّة النرجسيّة، يتوق هذا النوع إلى الاهتمام الإيجابي، وقد تجده يمطر الآخر بالمجاملات من للحصول على الإعجاب الذي يرغب فيه، وعندما لا يأتيه الثناء الكافي من الشخص المستهدف، فلن يواجه مشكلة في استبعاده والانتقال إلى هدف جديد وهكذا دواليك.
وقد تشمل العلامات والأعراض الأخرى لاضطراب الشخصيّة النرجسيّة عموما ما يلي:
- حاجة الشخص الملحة إلى نيل الإعجاب والثناء من الآخرين.
- استعداد الشخص لاستغلال الآخرين لتحقيق مكاسب شخصيّة.
- قلة التعاطف مع مشاعر واحتياجات الآخرين.
- انشغال الشخص بأوهام القوة والنجاح والجاذبيّة.
- ميل الشخص إلى المبالغة في إنجازاته أو قدراته.
- اعتقاد الشخص بأنه مميز وفريد من نوعه، ويجب ألا يحتكّ إلا بذوي المكانة الرفيعة.
- عدم قبول الشخص للنقد، والرد بشكل دفاعيّ أو عدوانيّ عند مخالفته.
طبعا لا يخلو أي منا من عيوب في شخصيته وقد يقوم بأحد هذه التصرفات لسبب أو لآخر، فلا يجب التسرع في الجزم بأنك أو شخص ما من محيطك مصاب بالنرجسية.
كيف تتحقق مما إذا كنت تعاني من اضطراب الشخصيّة النرجسيّة؟
يتطلب تشخيص اضطراب الشخصيّة النرجسيّة أن يقوم أخصائيّ الصحة النفسية بإجراء فحص وتقييم شاملين قبل إصدار حكمه.
ومع ذلك، هناك بعض العلامات والأعراض التي قد تشير إلى أن الفرد قد يكون مصابًا باضطراب الشخصيّة النرجسيّة.
وكما ذكرنا سابقًا، مهم جدا أن تضع في اعتبارك أن كل شخص قابل لإظهار بعض السمات النرجسية في بعض الأحيان، لكن اضطراب الشخصيّة النرجسيّة ينطوي على نمط مستمر من هذه السمات، التي قد تسبب مع مرور الوقت في ضائقة كبيرة للفرد ومن هم في محيطه.
فيما يلي بعض التصرفات التي إن اجتمعت في نفس الشخص، فقد تكون علامة على اضطراب الشخصيّة النرجسيّة:
التفوّق والأهليّة
يتمحور عالم النرجسيين حول الخير والشر، ويوجد في أذهانهم تسلسل هرميّ محدد، حيث يكون النرجسي في القمّة طبعا، وهو المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالأمان، ويجب أن يكون النرجسيّون الأفضل والأقوى والأكثر كفاءة، وأن يفعلوا الأشياء على طريقتهم، وأن يسيطروا على الجميع.
الحاجة المفرطة إلى الاهتمام والمصادقة
يحتاج النرجسيّون إلى الاهتمام الذي لا يمكن أن يأتي إلا من الآخرين، وبغض النظر عن مقدار الثناء الذي يأتيهم، فإنهم لا يشعرون أبدًا بأن ذلك كافٍ، لأنهم في أعماقهم لا يعتقدون أن أيا كان قادر على أن يحبّهم.
انعدام المسؤوليّة
على الرغم من حبّ النرجسيّين للسيطرة، إلا أنهم لا يريدون أبدًا أن يكونوا مسؤولين عن النتائج، فعندما لا تسير الأمور وفقًا لخطتهم أو يشعرون بالانتقاد، يضع النرجسيون كلّ اللوم على شخص آخر.
عدم التقيّد بالحدود
لا يستطيع النرجسيون أن يروا بدقة أين ينتهون وأين تبدأ، يبدو أنهم يفتقرون إلى النضج ويعتقدون أن كل شيء يخصّهم، وأن الجميع يفكّر ويشعر مثلهم، ويريد نفس الأشياء التي يريدونها، وإذا أراد النرجسي شيئًا منك، فسوف يبذل قصارى جهده لمعرفة كيفية الحصول عليه من خلال المثابرة أو التملّق أو المطالبة أو العبوس.
نقص في التّعاطف
لدى النرجسيّين قدرة ضعيفة على التعاطف مع الآخرين، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا أنانيّين وعادة ما يفتقرون إلى القدرة على فهم ما يشعر به الآخرون حقًا، وقد يقولون صراحة أنهم "لا يستطيعون تحديد حالتك المزاجيّة" أو يخصّصون ردودهم وسلوكهم وفقًا لما يعتقدون أن الشخص أو الموقف يحتاج إليه، بدلاً من الاستجابة بصدق، وهذا النقص في التعاطف يجعل العلاقات الحقيقيّة وخاصّة العاطفيّة مع النرجسيين صعبة إن لم تكن مستحيلة.
التفكير بالعاطفة
يتّخذ النرجسيّون معظم قراراتهم بناءً على شعورهم تجاه شيء ما، وإذا شعروا بالملل أو الاكتئاب، فإنهم يريدون تجديد أو إنهاء العلاقة أو بدء عمل تجاريّ جديد أو تجربة رياضة جديدة، فإنهم دائمًا يتطلّعون إلى شيء ما أو شخص ما خارج أنفسهم لحلّ مشاكلهم وتلبية احتياجاتهم كالكحول، المخدرات، القمار، العلاقات الغرامية، الرياضة وغيرها، ويتوقّعون منك أن تتماشى مع "حلولهم"، وقد يظهرون الانزعاج والاستياء إذا لم تقم بذلك.
الكيل بمكيالين
تنقسم شخصية النرجسيّين إلى أجزاء جيّدة وأخرى سيّئة، تماما كما يقسّمون كل شيء في علاقاتهم إلى جّيد وسيّئ، ويتمّ إلقاء اللوم على أي أفكار أو سلوكيات سلبيّة عليك أو على الآخرين، في حين ينسبون لأنفسهم الفضل في كلّ ما هو إيجابي وجيّد.
الخوف
يحفّز الخوف حياة النرجسي بأكملها وينشّطها، ويتم دفن مخاوف معظم النرجسيّين وقمعها بعمق، فإنهم يخشون باستمرار من التعرّض للسخرية أو تلقي الرفض أو الوقوع في الخطأ، وقد تساورهم مخاوف بشأن مظهرهم، من فقدانهم المال، أو من التعرّض للخيانة، ومع تقدمّهم في السن، قد يصبحون أكثر انشغالًا بمظهرهم ووزنهم، وهذا الخوف يجعل من الصعب وأحيانًا من المستحيل على النرجسي أن يثق بأي شخص آخر.
العار
لا يشعر النرجسيّون بالذنب كثيرًا لأنهم يعتقدون أنهم دائمًا على حق، ولا يعتقدون أن سلوكياتهم تؤثر حقًا على أيّ شخص آخر، لكنهم يخجلون كثيرا، فالعار هو الاعتقاد بأن هناك شيئًا خاطئًا أو سيئًا بشكل عميق ودائم فيك.
غياب القدرة على الحب
بسبب عدم قدرتهم على فهم المشاعر، وافتقارهم إلى التّعاطف، وحاجتهم المستمرة لحماية ذواتهم، لا يستطيع النرجسيّون حقًا أن يشعروا بالحب أو يتواصلوا عاطفيًا مع الآخرين، فهم في الأساس فقراء عاطفيًا ووحيدون، وهذا يجعلهم محتاجين للعاطفة على الدّوام.
العجز عن العمل في فريق
تتطلّب السلوكيّات المدروسة والتعاونيّة فهمًا حقيقيًا لمشاعر بعضنا البعض. كيف سيشعر الشخص الآخر؟ هل سيجعلنا هذا العمل كلّنا سعداء؟ كيف سيؤثر هذا على علاقتنا؟ هذه أسئلة لا يملك النرجسيون القدرة أو الدافع للتفكير فيها، وأي لطف أو سخاء من النرجسيين هو استراتيجية مدروسة ولها دافع خفي دائما.
اضطراب الشخصيّة النرجسيّة عند الرجال مقابل النساء
لا يقتصر اضطراب الشخصيّة النرجسيّة على الرجال دون النساء أو العكس، حيث يمكن أن يصيب الاضطراب الأفراد من أي جنس، وتبقى العلامات والأعراض هي نفسها بشكل عام.
ومع ذلك، تشير بعض الدّراسات إلى أن اضطراب الشخصيّة النرجسيّة قد يكون أكثر شيوعًا عند الرجال منه لدى النساء، وأحد التفسيرات المحتملة لذلك هو أن الأدوار التقليدية للجنسين ونظرة المجتمع الذكورية إلى الرجل كما للمرأة قد تساهم في تطوير اضطراب الشخصيّة النرجسيّة أكثر لدى الرجال.
على سبيل المثال، غالبًا ما يكون الرجال في ما بينهم أكثر تنافسيّة وعدوانيّة، مما قد يساهم في تنمية الشعور بالاستحقاق والحاجة إلى الإعجاب، أما في علاقاتهم مع الجنس الآخر، فقد يتجاهلون حدودهم ويقزّمون آراءه.
في المقابل، تشير بعض الدّراسات إلى أن النساء قد يكن أكثر عرضة لإظهار سمات نرجسيّة معيّنة، مثل الحاجة إلى الاهتمام والإعجاب، ولكن ذلك دون استيفاء المعايير الكاملة لتشخيص اضطراب الشخصيّة النرجسيّة.
قد يكون هذا بسبب توقع المجتمع من المرأة بأن تكون ربّة منزل وأمّا حنون وغير أنانية، مما قد يجعل من الصّعب على النساء احتضان ميولهن النرجسية بشكل كامل.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه الاختلافات بين الجنسين ليست مطلقة وأن أيّا كان معرّض لتطوير اضطراب الشخصيّة النرجسيّة وذلك لأسباب عديدة عابرة للجنسين كما هي عابرة للأعمار والقارّات.
أسباب اضطراب الشخصيّة النرجسيّة؟
ليست أسباب اضطراب الشخصيّة النرجسيّة مفهومة تمامًا ومن المحتمل أن تكون معقدة ومتشعبة، ولكن يُعتقد أن مجموعة من العوامل الجينيّة والبيئيّة والنفسيّة قد تساهم في تطوير اضطراب الشخصيّة النرجسيّة.
تتضمّن بعض الأسباب المحتملة لاضطراب الشخصيّة النرجسيّة ما يلي:
- الأسباب الوراثيّة: تشير بعض الأبحاث إلى أنه قد يكون هناك عنصر وراثي لاضطراب الشخصيّة النرجسيّة، فلقد أفضت الدراسات إلى أنّ الأفراد ذوي تاريخ عائلي من اضطراب الشخصيّة النرجسيّة أو اضطرابات شخصية أخرى قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بهذه الحالة.
- صدمات الطفولة: يمكن أن تساهم التّجارب المؤلمة أو الإهمال الأسريّ أثناء الطفولة في تطوير اضطراب الشخصيّة النرجسيّة، فقد يصاب الأطفال الذين لا يتلقّون الاهتمام الكافي والحبّ والدعم العاطفي من القائمين على رعايتهم بشعور بعدم الأمان، والذي يمكن أن يتبلور في شكل حاجة مفرطة للاهتمام والإعجاب في مرحلة البلوغ.
- السلوك المكتسب: يمكن تعلم السّلوك النرجسي من الآباء أو الأفراد المهمّين الآخرين الذين يظهرون مثل هذا السلوك، وعلى سبيل المثال، إذا قام أحد الوالدين بإظهار سمات نرجسيّة خلال تربية طفله، فقد يتعلم هذا الأخير محاكاة هذه السلوكيات عندما يكبر.
- العوامل الثقافيّة والمجتمعيّة: في بعض الثقافات، قد يكون السلوك النرجسي أكثر قبولًا أو حتى يتم تشجيعه، بالإضافة إلى ذلك، جعلت وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من التقنيات من السهل أكثر من أي وقت مضى تكوين شخصيّة عبر الإنترنت والسعي إلى فرضها على الآخرين، مما قد يساهم في تطوير اضطراب الشخصيّة النرجسيّة.
الآثار السلبيّة لاضطراب الشخصيّة النرجسيّة
يمكن أن يكون لاضطراب الشخصيّة النرجسيّة عدد من الآثار السلبية على كل من الفرد المصاب بهذا الاضطراب ومن هم حوله.
فيما يلي بعض التأثيرات المحتملة لاضطراب الشخصيّة النرجسيّة:
- تحدّيات اجتماعيّة: غالبًا ما يعجز الأفراد المصابون باضطراب الشخصيّة النرجسيّة عن الحفاظ على علاقات صحية، وقد يجدون صعوبة في التعاطف مع الآخرين، والاهتمام باحتياجاتهم ومشاعرهم، وقد ينخرطون في سلوكيّات استغلاليّة أو تحكميّة يمكن أن تضر بعلاقاتهم.
- مشاكل في العمل والمدرسة: قد يعاني الأفراد المصابون باضطراب الشخصيّة النرجسيّة في بيئات العمل أو المدرسة بسبب صعوبات في العمل مع الآخرين، والحاجة إلى الثناء أو التقدير المفرط، والميل إلى أن يصبحوا دفاعيّين أو عدائيّين عند مواجهتهم أو انتقادهم.
- عدم الاستقرار العاطفيّ: قد يعاني الأفراد المصابون باضطراب الشخصيّة النرجسيّة من عواطف شديدة مثل الغضب أو الخجل أو الحسد، مما قد يؤدّي إلى تقلّبات مزاجيّة متكرّرة وصعوبة في التحكّم في عواطفهم.
- الإدمان: قد يكون الأفراد المصابون باضطراب الشخصيّة النرجسيّة أكثر عرضة لتعاطي المخدّرات أو الكحول كطريقة للتعامل مع عواطفهم أو لتعزيز صورتهم الذاتيّة.
- المشاكل القانونيّة والماليّة: قد ينخرط الأفراد المصابون باضطراب الشخصيّة النرجسيّة في سلوكيات متهوّرة أو لا مسؤولة، يمكن أن تؤدّي إلى مشاكل قانونيّة أو ماليّة.
- العزلة: بسبب الصعوبات في العلاقات والتفاعلات الاجتماعيّة، قد يصبح الأفراد المصابون باضطراب الشخصيّة النرجسيّة منعزلين ووحيدين.
- التأثير السلبي على الصحّة النفسيّة: يمكن أن يساهم اضطراب الشخصيّة النرجسيّة أيضًا في عدد من مشاكل الصحة النفسية الأخرى، مثل الاكتئاب والقلق.
من المهم ملاحظة أنه لا يختبر كل الأفراد المصابين باضطراب الشخصيّة النرجسيّة كل هذه الآثار بالضرورة، وأن بعض الأفراد المصابين باضطراب الشخصيّة النرجسيّة قد لا يكونون على دراية بالتأثير السلبي لسلوكهم على أنفسهم أو على الآخرين.
فإذا كنت تشكّ في أنك أو أي شخص تعرفه قد يكون مصابًا باضطراب الشخصيّة النرجسيّة، فمن المهم طلب المساعدة المهنيّة.
علاج اضطراب الشخصيّة النرجسيّة
يعّد شفاء اضطراب الشخصيّة النرجسيّة عمليّة معقّدة ومستمرّة تتطلّب عادةً المساعدة من مختصّ في الصحّة النفسيّة.
من المهمّ أن نفهم أن هذا الاضطراب هو خلل في الشخصيّة، مما يعني أنه متأصّل بعمق في أفكار الفرد ومشاعره وسلوكيّاته.
ومع ذلك، بالدعم والعلاج المناسبين، يمكن للأفراد المصابين باضطراب الشخصيّة النرجسيّة تعلم كيفية التحكّم في أعراضهم وتحسين نوعيّة حياتهم.
فيما يلي بعض الاستراتيجيّات التي قد تكون مفيدة في الشفاء من اضطراب الشخصيّة النرجسيّة:
- العلاج النفسي: العلاج النفسي، أو العلاج بالكلام، هو نهج علاجي شائع لاضطراب الشخصيّة النرجسيّة. يمكن أن يساعد أخصائيّ الصحة النفسية الأفراد المصابين باضطراب الشخصيّة النرجسيّة على تطوير نظرة ثاقبة لأفكارهم ومشاعرهم وسلوكيّاتهم، وتعلّم استراتيجيّات المواجهة لإدارة أعراض اضطراب الشخصيّة النرجسيّة، وتشمل بعض الأساليب التي قد تكون مفيدة العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، والعلاج النفسي الديناميكي، والعلاج الجماعي.
- الأدوية: على الرغم من عدم وجود دواء محدّد لاضطراب الشخصيّة النرجسيّة، إلا أن الأدوية يمكن أن تكون مفيدة في إدارة الأعراض المصاحبة مثل القلق أو الاكتئاب.
- النّقد الذاتي: يمكن للأفراد الذين يعانون من اضطراب الشخصيّة النرجسيّة الاستفادة من الانخراط في التفكير الذاتي وتحمّل المسؤوليّة عن أفعالهم، ويمكن أن يشمل ذلك الاعتراف بتأثير سلوكهم على الآخرين والالتزام بالتغيير.
- التأمّل: يمكن أن تكون ممارسات الاسترخاء، مثل التأمّل أو اليوجا، مفيدة في التحكم في أعراض اضطراب الشخصيّة النرجسيّة، ويمكن أن تساعد هذه الممارسات الأفراد الذين يعانون من اضطراب الشخصيّة النرجسيّة على أن يصبحوا أكثر وعيًا بأفكارهم وعواطفهم، وأن يطوّروا قدرًا أكبر من التّعاطف تجاه الآخرين.
- تغيير نمط الحياة: يمكن أن يكون إجراء تغييرات إيجابيّة في نمط الحياة، مثل ممارسة التّمارين الرياضية بانتظام، وتناول نظام غذائي صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم، مفيدًا، ويمكن أن تساعد هذه التغييرات في تقليل التوتّر والتشجيع على تطوير عادات إيجابيّة.
خلاصة الأمر
قد يكون العيش مع شخص نرجسيّ في حياتك مرهقًا بشكل لا يصدّق، ويمكن أن يساعدك فهم الحالة بشكل أفضل في دراسة توقعاتك ومنح نفسك الإذن بتحديد أولويّاتك واحتياجاتك، وفي حين لا يعي معظم الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصيّة النرجسيّة بأنهم نرجسيّون، من المهمّ أن تتذكر أنه لا توجد إساءة مقبولة أو مبرّرة، وكما يقول المثل: "إن المتكبر كرجل فوق جبل، يرى الناس صغارا ويرونه صغيرا." أما إذا كنت أنت من يعاني من الاضطراب، فلا تقلق، فما دمت حيّا، فمازال أمامك الوقت والفرصة لتحسين حالتك!