الغيرة : أغار..كيف أساعد نفسي ؟!

Article Summary

16/03/2021
main-image

هل أحسستِ يوما بمشاعر خانقة مثل الغيرة حين توقف زوجك ليحادث زميلته الجميلة في العمل؟ ماذا عندما تبادلت زوجتكَ الحديث مع قريب لها في العيد وإسهابهما في السؤال عن الأحوال؟ أو ربما عندما لاحظتِ ازدياد قوة العلاقة بين صديقتك المقربة وفتاة أخرى ومحاولتك تتبع أخبار تواصلهما وخروجهما سوية بدونك؟

تلك مشاعر جياشة تستحق أن ننظر إليها من منظور نفسي محاولين أن نتعرف على حقيقتها، علّنا نستطيع التخفيف من أثرها السلبي على من يشعر بها وبالتالي الحفاظ على العلاقة صافية من تلك الخصلة واسعة الانتشار، بالرغم من كونها خصلة مزعجة ومؤذية في العلاقات الزوجية او المجتمعية.

يمكننا تعريف الغيرة بأنها مجموعة معقدة من الأفكار والسلوكيات والمشاعر التي تظهر كردة فعل على تهديد حقيقي أو متخيل لعلاقتنا بمن نحب، تكون المشاعر مختلطة من الغضب والحزن والاستياء والعجز. وهي تختلف عن الشعور بالغيرة من الآخر لامتلاكه من المال أو الجمال أو المركز المرموق أو الوظيفة المثالية وغيرها مما يسعى إليه الإنسان، وتختلف عنها باشتراط وجود طرف ثالث. وكذلك أيضا فهي تختلف عن الشعور بالغبطة والتي تعني التوق للحصول على تلك الامتيازات دون تمني زوالها عن صاحبها.

كيف تولد الغيرة؟

تولد الغيرة من مشاعر قديمة لعدم الأمان بالإضافة إلى حب التملك، عادة ما يكون الأشخاص الغيورون قليلي الثقة بأنفسهم كما يعتقدون بأنهم غير كافين؛ أي أن شريكهم في العلاقة أفضل منهم بشكل من الأشكال لذا فهو يستحق شريكاً أفضل! يعتبر أولئك أن تخلّي الشريك عن هذه العلاقة وارتباطهم بشخص "أفضل" هو مسألة وقت فقط! يرى بعضهم أن العلاقة الجديدة للشريك قد تؤدي إلى انتقاص جودة علاقتهم الخاصة والحرمان من امتيازاتها، مما يدفعه إلى الغيرة بطريقة دفاعية عن العلاقة.

أسوأ ما في الغيرة أنها تجعلك تعلق داخل دائرة مغلقة، فعندما تجول في رأسك فكرة أن شريكك في العلاقة يهتم لأمر طرف ثالث، فإن ذلك سيدفعك لاستخدام أي جزء من التفاصيل كدليل يثبت صحة معتقدك مهما كان ذلك الدليل واهيا، مما يجعلك تقوم بسلوكياتٍ غير واعية تجاه شريكك، سلوكيات غاضبة وانفعالية عنوانها الاتهامات وهدفها حقنه بالشعور بالذنب، كل ذلك سيجعل شريكك مستاء وأكثر تحفظاً، وسيحمله إلى الابتعاد حقا عنك والهروب من الاتهامات الموجهة إليه، لأن بقاءه سيثقله بالشعور بالذنب والعنف والتوتر الناتج من الغيرة. تصرف الشريك بتلك الطريقة يقدم لك على طبق من ذهب دليلا واضحا على عدم شعوره بالرضى عن علاقتكما وبالتالي على نيته التخلي عن هذه العلاقة، مما يزيد من قوة شعورك ويزيد حدة سلوكيات الاتهام فتعلق داخل الدائرة الشرسة للغيرة أكثر فأكثر.

انواع الغيرة والمرض نفسي 

تعتبر الغيرة في كثير من الأحوال غير مرضية وجزءا من طيف المشاعر التي يشعر بها الإنسان أثناء خوضه في العلاقات، في حين أن الغيرة الاستحواذية والغيرة الضلالية هما نوعان مختلفان من الغيرة المرضية؛

  • الغيرة الضلالية 

تتمثل الغيرة الضلالية -أو متلازمة عُطيل نسبةً إلى مسرحية شيكسبير الشهيرة- بمعتقدات قوية وخاطئة بعدم إخلاص الشريك وبالتالي اتهامات متكررة له والبحث الدائم عن أدلة تثبت خيانته والتحقيق معه بشكل مستمر بالإضافة إلى الملاحقة. 
تتم معالجة الغيرة الضلالية بمضادات الذهان لإنها تعتبر اضطرابا ذهانيا، ولا نكتفي بالعلاج الدوائي فهناك الكثير من العمل العلاجي الكلامي الواجب حتى يستبصر المصاب وتزداد حصانته النفسية لهذه الأعراض.

  • الغيرة الاستحواذية

في حين أن الغيرة الاستحواذية تتمثل باجترارات فكرية مؤلمة وغير عقلانية تدور حول خيانة الشريك، يصحبها تحققٌ قهري من سلوكه مع إدراك أنه لا يوجد دليل على عدم وفائه. تشبه هذه الغيرةُ السلوكياتِ القهرية الوسواسية وعليه فإنها تعالج بمثبطات إعادة امتصاص السيريتونين بالإضافة إلى العلاج المعرفي السلوكي.

تكمن خطورة كلا النوعين من الغيرة بآثارهما المضرة بالعلاقة الزوجية كما من الممكن أن تشتد لتسبب القتل أو الانتحار، تشير الدراسات إلى عدم وجود اختلاف بين الجنسين في شدة الميل للغيرة، في حين تشير أخرى إلى أن الغيرة لدى الرجال كانت دافعا أقوى للقتل، وربما كان ذلك بسبب ميل الرجال أكثر للعنف.

الغيرة والصحة النفسية 

ترتبط الغيرة أحيانا ببعض مشاكل الصحة النفسية؛ كالفصام الذي تعتبر الضلالات والهلاوس من أهم أعراضه، والأمراض الذهانية التي تؤثر على الإدراك والمعتقدات والعاطفة، والقلق الذي يتمثل بتهويل المخاوف وتدني الشعور بالثقة بالنفس، واضطراب الشخصية الحدية الذي يعتبر الخوف من الهجران من أهم مميزاته.

كيف اتعامل مع الغيرة؟

أنا أغار..كيف أساعد نفسي؟ كيف أخرجها من تلك الدائرة الشرسة؟

  • طور من نفسك واعمل على نقاط الضعف لديك لا تجعل علاقتك مع شريكك هي التعويض عن قلة ثقتك بنفسك أو هي المكملة للنقص الذي تشعر به في لا وعيك، بل عليك أن تطور من نفسك وتعمل على نقاط الضعف لديك حتى تكون أقل تأثرا بتصرفات الآخرين.
     
  • كفَّ عن مقارنة نفسك بالآخرين، إن العلاقات ليست مساحة للتنافس، فكما أن لديك مزيجا من المميزات والعيوب، فإن ذلك ينطبق على الآخرين، سواء أظهر لك ذلك أم لم يظهر.
     
  • توقف عن السلوكيات التحققية باتجاه شريكك مثل تفتيشك في هاتف زوجتك، ومتابعة تعليقات أصدقاء زوجك على الفيسبوك، وملاحقة صديقك المقرب على الواتس آب ومحاولة التيقّن من فحص انشغاله مع آخر. اعلم أن كل تلك السلوكيات لن تضمن لك إخلاص الشريك، كما أن التوقف عنها لن يدفع شريكك للخيانة.
     
  • تعرّف على المواقف التي تحيط بتولّد الغيرة لديك؛ هل هي المناسبات الاجتماعية؟ أم غياب الشريك وانشغاله عنك؟ أم مرورك بيوم سيء؟ عندما تفعل ذلك ستكون أكثر وعياً لنفسك ونتاج تفاعلاتها، وبالتالي ستنجو بنفسك من الوقوع في فخ المواقف المولدة للغيرة.
     
  • تواصل مع شريكك في العلاقة: إذا كنت تشعر بالغيرة فعليك أن تتواصل مع شريكك وتحدثه عن مشاعرك، لكن انتبه! فطريقة كلامك مهمة جدا في تحويل مسار التواصل؛ فإذا كان كلامك يضجّ غضبا واتهاماتٍ على شريكك فإن الأمور ستتجه نحو الأسوأ. عليك أن تكون مباشرا في أفكارك لكن بطريقة ليست عدائية، اشرح مشاعرك بهدوء طالبا من شريكك التعاون معك لمحاولة إيجاد حل لتلك المعضلة، سيؤدي ذلك إلى عدم نفور الشريك وتقبله لمشاعرك وستكون نتائج النقاش أكثر إيجابية.
     
  • تأمل بعمق أكثر في الأفكار التي تولّد الغيرة لديك؛ حاول التنقيب في أفكارك التلقائية واستنتاجاتك غير الواعية التي تدور في رأسك مثل " أنا لا أستحق الحب " ، " الجميع أفضل مني ". عندما تتوصل إلى تلك الأفكار ستكون أكثر مقدرة على تعديلها وبالتالي تعديل المشاعر والسلوكيات الناتجة عنها.
     
  • أعد تعريف علاقتك مع الآخر في خارطتك الذهنية، فالآخر ليس ملكا لك ولا تستطيع التعامل معه كما لو أنه جزء من مقتنياتك، بل هو روح حرة قبلت الارتباط بك لرغبتها في ذلك، إن سلوكيات الغيرة لديك لن تمنعها من الارتباط بغيرك.
     
  • انظر إلى السيناريو من خلال عيني شريكك في العلاقة، عندها ستعلم أنه من غير الممكن والمعقول أن تلغي كافة ارتباطاتك في العمل أو الدراسة أو علاقات العائلة والصداقة وممارسة الهوايات أو حتى قضاء بعض الوقت منفردا لتختزل كل وقتك بصحبة شريكك. وضع مسافة أمان بينك وبين شريكك ستضمن لكليكما التوازن المطلوب للقيام بالواجبات بشكل مرضٍ.  إذا أتقنت هذه المهارة فلن تقع ضحية للإحباط بعد توقعك أن شريكك سيكون متاحا لك طيلة الوقت.
     
  • إن العامل الأساسي في التخفيف من حدة الغيرة هو كسر دائرة الغيرة التي ذكرناها سابقا، تعرّف على دائرتك الخاصة واكسر تسلسلها لتكبح جماح أفكارك ومشاعرك السلبية فلا تقع علاقتكما فريسة السلوكيات المؤذية الناتجة عن الغيرة.

هل ترتبط بشخص يعاني من الغيرة؟

ولأن الغيرة وآثارها المؤذية لا تقتصر على من يشعر بها، بل تتعداه إلى الطرف الآخر في العلاقة، فإليك يا من تربطك علاقة بشخص يعاني من الغيرة هذه النصائح:

  • عليك أن تدرك أن مسألة الغيرة هذه لا تتعلق بك بل بشريكك، وبذلك ستكون أكثر حكمة في التصرف معه ولن تدع مجالا للغضب ليسيطر عليك.
     
  • قابل تصرفات الغيرة بطمأنة شريكك عن مكانته عندك، حدثه عن ميزاته وجاذبيته، عن ذكرياتكما معا. ستطفئ تلك السلوكيات نار الغيرة لديه لا محالة. بإمكانك أن تسأله عن ما يشعره بالطمأنينة من سلوكيات لتقوم بها عند اللزوم. لكن احذر من أن تقع ضحية للابتزاز العاطفي من قبل شريكك، فتراه يفتعل المواقف التي تبرر غيرته ليكسب تلك التطمينات منك، لا تجعل تصرفاتك رهن انفعالاته بل قم بها بدافع الامتنان للعلاقة والمحافظة عليها عندما ترى ذلك مناسبا.
     
  • تجنب استخدام الجمل التي تحتوي على اتهامات أو إطلاق أحكام علي شريكك، فمثلا بدل أن تستخدم عبارة " أنت شخص غيور، عليك أن تتغلب على شعورك بعدم الأمان في هذه العلاقة! " يمكنك أن تقول " أتفهم أن صداقتي مع فلان هي مصدر قلق لك، لكن امنحني الفرصة لأشرح لك لم عليك ألا تقلق".
     
  • حتى عند انزعاجك من سلوكيات الغيرة لدى شريكك، فلا تلوّح بإنهاء العلاقة ، لا تقل " إذا استمر جنونك هذا فسأرحل للأبد!" لأن ذلك لن يؤدي إلى تخفيف الغيرة لدى شريكك بل على العكس سيتسبب ذلك في هلعه.
     
  • بإمكانك ببساطة أن تحرص على أن يقع هذا المقال بين يدي شريكك الذي يعاني من الغيرة.

وأخيرا نود الإشارة إلى أن مشاعر الغيرة يصعب البوح بها لأنها لا تلقى التعاطف ولا الترحيب اللذان تحظى بهما مشاعر مؤلمة أخرى كالحزن والخوف، فإذا لم تكن التعليمات السابقة كفيلة بمساعدتكما على تجاوز هذه المشاعر الصعبة فلا تترددوا باستشارة المختصين القادرين على مساعدتكم في فهم وإدارة هذه المشاعر.

اشترك مع منصة حاكيني للاستشارات النفسية اونلاين احصل على إرشادات من خلال برامج للمساعدة الذاتية او قم بالتحدث مع أفضل أخصائي العلاج النفسي، بما يشمل مختصين من المجال الاجتماعي، الزوجي، الاسري وغيرهم للاشتراك من هنا مجاناً.

With a profound wealth of experience, Dr. Samah Jaber blends expertise with compassion to bring you the support you deserve on your mental health journey.

Share Article

Most read this week

Hakini App

Easily access our services through the Hakini mobile application. Enjoy unlimited access to pre-recorded programs, courses, exercises, and seamless communication with your counselor.

app-store google-play

Online psychological counseling sessions, with the most skilled psychologists

screenshot screenshot

Try self-help programs, which contain meditation and mindfulness courses, practical exercises to enhance your mental health, in addition to information about psychological and personal disorders

screenshot screenshot
app-store google-play

You may also like

Join Our Newsletter

Subscribe to our newsletter for exclusive content, early access to articles, and special promotions.