تصدّر خبر قتل شاب من جنين لأمه صفحات الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي، كما تم تناقل معلومات تفيد بإصابته بمرض نفسي دفعه إلى ذلك السلوك المفجع، إن العنف موضوع يثير الاهتمام وعادة ما تصل أخباره إلى مسامع الجميع وخصوصا إذا كان صادرا عن الأشخاص المصابين بالأمراض النفسية مما يضاعف الوصمة ويساهم في عزل المرضى النفسيين، علما أن أحداث العنف أكثر شيوعا بين الأصحاء منها بين المرضى النفسيين كما أن التنبؤ بأحداث العنف بين المرضى أكثر سهولة منه بين الأصحاء وبالتالي أسهل للمنع، لكن هذا لا ينفي ضرورة معرفة عوامل الخطورة للعنف بين المرضى النفسيين وأهمية التدخل للتخفيف من أثرها. إذ أن هناك أفرادا بعينهم يزيدهم المرض النفسي إقبالا على العنف، ويكون لديهم تكرار لهذا السلوك.
تشمل عوامل الخطورة تلك أن يكون الشخص نفسه ضحية للعنف ولديه تاريخ سابق للقيام بأعمال عنيفة وخصوصا في الطفولة ولديه مشاكل كقلة الانتباه والحركة المفرطة والاندفاعية وصعوبات التعلم وانخفاض معامل الذكاء، ويكون معرضا لضغوطات عاطفية آنية ولديه ميول معادية للمجتمع بصفة عامة، ويملؤه الشك والاضطهاد، ويكون لديه مشاكل في استخدام الكحول والمخدرات. كما أن هناك عوامل خطورة عائلية تشمل النمط الوالدي السلطوي وغير الثابت أو عدم وجود إشراف والدي أساسا، والانفصال العاطفي عن الوالدين، والمشاكل الاقتصادية ومشاكل في استخدام الكحول والمخدرات لدى العائلة.
تقع مسؤولية كبيرة على أهالي المصابين باضطرابات نفسية وعلى معارفهم من أقارب وأصدقاء، وعليهم أن يتعاملوا مع هذه القضية بجدية وحساسية عاليتين، إن الخطوة الأولى لذلك هي أن يتقبل الأهالي أنفسهم إصابة ابنهم بالمرض النفسي، وأن يعوا أهمية التوجه به إلى العلاج، ولا يتوانوا في اتخاذ أي خطوة من شأنها تحسين حالة ابنهم الصحية. إلا أنه تردني الكثير من الاتصالات من بعض أهالي الذين يعانون من المشاكل النفسية مفادها أن المريض رافض للمجيء إلى العيادة أو التوجه إلى العلاج، يتكلم الأهالي بحرقة لرؤيتهم ذلك الإنسان يعاني وما يزيد من ألمهم هو رفضه للمساعدة، ويؤلمنا نحن – كأخصائيين في الطب النفسي – علمنا بمعاناتهم مع معرفتنا وثقتنا أن هناك سبيلا لتخفيف تلك المعاناة، ويزيد العبءً على كاهلنا الخوفُ من سماع أخبار مفجعة عن أحداث كان من الممكن تفاديها بالتوجه والالتزام بالعلاج، كتلك التي حدثت بالأمس وكان الأهل هم الضحية.
مع التنويه إلى أن كل إنسان هو شخص فريد، وأن ما ينفعك قد لا ينفع غيرك، إلا أننا سنورد تاليا بعض النقاط التي من الممكن أن تفيد الأهالي لحمل أقربائهم إلى العلاج:
- أظهر الدعم والتقبل: إن سوء الفهم حول الصحة النفسية أدى إلى تكوين الوصمة المجتمعية، لذا من الممكن أن يكون الإنسان مدركا لحاجته إلى العلاج لكن خوفه من أن يحكم الآخرون عليه أو يعاملونه بشكل مختلف قد يمنعه من ذلك. لذا استخدم لغة غير واصمة عندما تتحدث عن مشاكل قريبك النفسية وأظهر دعمك له.
- اختر المكان والوقت المناسبين: قد تختلف ردة فعل الشخص تماما بناء على "متى" و"أين" تم الحديث معه عن مشاكله النفسية، فمن الممكن أن يتجاهل حديثك معه تماما إن فتحت الموضوع أمام الآخرين أو عندما يكون متعبا أو في مزاج سيء أو مشغولا في أمر هام، بل وربما يقابل اقتراحك بالرفض. احرص على جعل المحادثة خاصة ومريحة واختر وقتا يكون فيه الشخص في مزاج جيد وغير مشتت.
- جهز نفسك للمقاومة: ليس كل الأشخاص الذين يسمعون عن العلاج سيكونون مستعدين للتوجه إليه، لذا عليك أن تكون مستعدا لدعم رأيك إن قاوم أحد أفراد أسرتك اقتراحك. ابدأ بذكر صفاتهم المحببة لتدفعهم لاتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين أنفسهم بشكل أكبر، وإذا زعموا أنهم لا يعانون من أي مشكلة فبإمكانك ذكر بعض السلوكيات الإشكالية لديهم لكن بطريقة غير حكمية، كما أنك تستطيع استخدام علاقتك معهم وتبيان أهميتها عندك كوسيلة لتشجعهم على التوجه للعلاج. أما إذا رفض ذلك الشخص التوجه للعلاج وأبدى نيته الالتزام بخيارات حياة صحية – كالرياضة والطعام الصحي والتعرض للشمس - كوسيلة للعلاج، فشجعه على ذلك لكن بيّن له أن عليه التوجه للأخصائيين بالإضافة إلى نيته تلك، ليوفر على نفسه الوقت والجهد.
- اعرض المساعدة: كن على استعداد لتقديم دعم ذي مغزى إذا شجعت شخصا ما على الذهاب إلى العلاج، يمكنك البحث معه عن خيارات العلاج المتوفرة في المنطقة، كما يمكنك البحث بين مختلف الأخصائيين والبحث في مصداقيتهم، ومناقشة الشخص حسب تفضيلاته في العلاج كالعلاج الفردي مثلا أو العلاج الجماعي، تستطيع حجز المواعيد له والذهاب معه والبقاء في غرفة الانتظار. شاركه اقتراحاتك لكن اترك له حرية اتخاذ القرار، وأكد على دعمك له طوال رحلة العلاج.
- افتح عينيه: في كثير من الأحيان قد لا يدرك الشخص المصاب حاجته للعلاج، تستطيع – بكل لطف ودعم حقيقيين – أن تبين له التغيرات التي حصلت في سلوكياته أو مزاجه أو عواطفه، ستكون تلك بمثابة دليل على حاجته للعلاج، لكن لا تفعل ذلك بأسلوب الإدانة حتى لا ينفر من الفكرة تماما.
- التطبيع: إن من الحقائق التي تغيب كثيرا عن ذهن الناس هو إمكانية الإصابة بالاضطرابات النفسية بنفس إمكانية الإصابة بالأمراض الجسدية، وهناك الكثيرون ممن يطلبون العلاج وتزخر بهم العيادات النفسية لكنهم بسبب الوصمة المجتمعية الناتجة عن سوء فهم طبيعة هذه الاضطرابات يخفون تلقيهم للعلاج النفسي وربما التزامهم بالأدوية بالرغم من تحسنهم وضعهم الصحي. إن شرح ذلك للشخص المحتاج للعلاج وتبيان أنه من الطبيعي أن يصاب الإنسان بتعب نفسي وبالتالي من الطبيعي أن يتوجه للعلاج النفسي سيسهل عليه الخطوات اللاحقة.
- فنّد الشائعات: من الشائعات المتعلقة بالاضطرابات النفسية وعلاجها والتي تمنع الكثيرين من التوجه للعلاج هو اعتقادهم أن ذلك طريق إذا دخلته فلن تخرج منه أبدا وستظل تدور في حلقة مفرغة طوال حياتك، كما يؤمن البعض بأن الأدوية النفسية تسبب الإدمان ولن تستطيع العيش بدونها إن استخدمتها فترة من الزمن، تلك شائعات لا أساس لها من الصحة، عليك تفنيدها للشخص الذي تعتقد بحاجته للعلاج.
تجدر الإشارة إلى أن النقاط السابقة تكون نافعة مع المرضى الذيبن لديهم بصيرة ولو جزئية لحالتهم الصحية، إلا أن هناك بعض المرضى الفاقدين تماما لبصيرتهم مع اشتداد المرض، عندها ينصح بحضور اثنين من الأهالي إلى الطبيب النفسي للتفاهم على الخطة العلاجية اللازمة وسيقوم الطبيب بنصحهم لعمل الإجراءات الضرورية حسب الوضع الملائم لمريضهم.
نختم بدعوة الأهالي إلى الصبر الجميل على أقربائهم ومعارفهم، وتقبّلهم بكل حالاتهم، وطلب العون من الأطباء والمؤسسات المتخصصة للتدخل قبل وقوع ما لا تحمد عقباه.