التشاؤم، الإحباط، اليأس، الانكسار، الحزن، والخسارة عبارة عن مشاعر ناتجة عن التفكير السلبي الذي لابد لكل منا معايشته واختباره بشكل أو بآخر، وقد يكون في بعض الأحيان الشعور به مفيد وصحي إن كان يجتاحنا بدرجة معقولة؛ كونه يزيد من المناعة النفسية للإنسان ويجعله أكثر صلابة، حكمة، تبصّراً، ونضجاً. لكن تكمن المشكلة عندما يأخذ هذا التفكير السلبي حيزا كبيرا في تفكير الإنسان، ويستغرق كامل وقته للدرجة التي تعيقه عن ممارسة حياته بشكل طبيعي وسليم.
صحيح أنه يوجد اختلاف ما بين هذه المشاعر السابقة من حيث طريقة التعبير عنها وما ترتبه من أعراض، ومن حيث تأثيرها وتأثرها على السلوك والتصرفات التي ينتهجها الإنسان. لكنها تشترك في كونها تصنف من يشعر بها بأنه من أصحاب التفكير السلبي، فطريقة تفكير الإنسان إن كانت غير تكيفية وتطغى عليها السلبية فإنها لن توصل المرء إلى التشاؤم والسوداوية والحزن فقط، وإنما إلى ما هو أبعد من ذلك كالإصابة باضطرابات نفسية عدة، مثل: اضطراب الاكتئاب، القلق، والوساوس. وفي حالات أخرى قد يؤدي وجود هذه الاضطرابات النفسية إلى تشكيل مثل هذه المشاعر والأفكار السلبية. بناء عليه ونظرا لأهمية تجنب أن يكون لدينا تفكير سلبي. نطرح لكم في حاكيني هذا المقال للإجابة على عدة تساؤلات حول التفكير السلبي، منها: من أين تأتي الأفكار السلبية؟ التفكير السلبي هل هو مرض نفسي؟ كيف يتم التخلص من التفكير السلبي؟
من أين تأتي الأفكار السلبية؟
تتعدد الأسباب وراء الأفكار السلبية، منها:
1. التردد.
ما يجعل الإنسان مترددا هو خوفه من المجهول أي الخوف من اتخاذ أي قرار أو خطوة؛ لأنه ببساطة لا يعلم ما تبعاتها. لا يمثل المجهول عادة شيء إيجابي للبعض، إنما يجعلهم في حالة ترقب وخوف مما سيحدث، وهذا ما يدفعهم للتفكير بشكل سلبي. كل ما عليك فعله هو ألا تخشى من اتخاذ القرار حتى وإن كان غير صائب، فلا تخف أبداً من المحاولة حتى وإن كنت تجهل نتائجها، وحتى إن كانت سترتب خسارة فلا بأس بذلك لأنك دونها لن تأخذ الدرس المناسب. لذا يجب أن تكون المحاولة خيارك الوحيد.
2. التعميم الغير واعي والمفرط.
الكثير منا يعيش ضمن تجارب مهنية، عاطفية، واجتماعية سامة أو غير صحية. ولكن كون هذه التجربة المهنية سيئة فهذا بالتأكيد لا يعني أن كل أماكن العمل سيئة، أو كل من حولي سيئين كوني قد عاشرت إنسان اتضح في نهاية المطاف أنه سيء. العمل على تعميم تجربة معينة بشكل غير واعي ومفرط من شأنه أن يخلق لصاحبها نمط تفكير سلبي، يجعله ينظر لكل تجربة جديدة على أنها ستكون بالتأكيد كسابقتها.
3. التفكير القطعي (إما الكل أو الا شيء).
عادة ما يسمى هذا النمط من التفكير بالتفكير القائم على النظر للأمور إما بلونها الأبيض أو الأسود. والحكم عليها ورؤيتها من منظور واحد، دون الالتفات للزوايا أو الروايات الأخرى المحتملة. هذا النمط من التفكير يولد أفكار سلبية.
4. التربية القائمة على التقليل من شأن الطفل.
إن التربية التي تقوم على منع الطفل من ارتكاب الخطأ ومعاملته بشكل قاس نتيجة لذلك، هذا من شأنه أن يولد شعور للطفل بأنه أقل قيمة وقدرة ممن حوله. يضاف إلى ذلك ، نعت الطفل بصفات غير محبذة وتقلل من شأنه، مثل: الغباء، البدانة، الفشل، وغيرها. هذا الأسلوب في التربية التي تقوم على التقليل من شأن الطفل، ستولد لديه نمط تفكير سلبي في النظر للأشخاص والأحداث المحيطة به.
التفكير السلبي هل هو مرض نفسي؟
لا يمثل التفكير السلبي بحد ذاته مرض نفسي إنما العيش ضمن نط حياة قائم على التفكير السلبي من شأنه أن يسبب وينتج العديد من الأفكار الاضطرابات النفسية على رأسها الوسواس القهري، الاكتئاب، والقلق.
يمكن القول أن السبب وراء اعتبار التفكير السلبي مسببا للعديد من الاضطرابات النفسية كونه يتسبب في إرهاق الذهن، وضياع الوقت والجهد في التفكير بأسوأ الاحتمالات والنتائج التي من الممكن أن تحدث أو في النظر بالجانب المظلم لكل شيء. ذلك على عكس التفكير الإيجابي الذي يجعلك تنظر للجانب المشرق من الأمور، والتمتع بتوازن نفسي وحياة هادئة. لذا لابد من السعي للتخلص من نمط التفكير السلبي وتحويله إلى نمط إيجابي.
كيف يتم التخلص من التفكير السلبي؟
1. التوقف عن جلد الذات.
يجب أن تتذكر بأن الخطأ مهما كان كبيرا ولا يمكن تداركه فهو أمر من الطبيعي أن يحدث، لا يوجد أيا منا كاملا خاليا من العيوب والأخطاء. وعليه، يجب أن تقلل من جلد ذاتك وألا تقسو عليها لأن ذلك سيعيق من قدرتك على التفكير بشكل صحي وإيجاد حلول لأي أخطاء.
2. يجب أن يكون لديك القدرة على تحديد مصدر التفكير السلبي.
لن تتوفر لديك الإمكانية على محاربة الأفكار السلبية وإنهائها بشكل جذري دون العمل على تحديد المصدر الذي تنبع منه. سواء أكان هذا المصدر هو أحداث أو أشخاص، لا تسمح لها بالعمل على تحديد طريقة تفكيرك. احرص مهما كان مصدر هذه الأفكار السلبية وتأثيرها احرص دائما على إعادة تقييم الأمر بنفسك.
3. تعلم الرفض ولا تتردد في التعبير عنه.
ليس كل ما يحيط بك من أفكار وأشخاص يناسبك لذلك عليك أن تدرك بأن لك الحق دائما في رفض ما لا ترغب به. وأنت من تملك القدرة والحرية في تحديد ما تريد، لذا لا عليك أن تقبل بأشياء لا تريدها أو لعلك لا تستطيع فعلها، فهناك حدود لطاقتك ويجب ألا تتجاوزها بغية إرضاء الآخرين.
4. مارس هوايتك المفضلة.
تعد الهوايات منفذا آخر للتعبير والتفريغ عما نشعر به، لممارسة الهواية القدرة في التعبير عما بداخلنا أكثر مما نعتقد والتفريغ من المشاعر والأفكار السلبية التي تجتاحنا. لذا ننصحك إما بالبحث عن هواية تفعلها أو تعزز هواية لديك، عندها ستدرك أهميتها.
5. استمع إلى الموسيقى التي تفضل وتحب.
يقال بأن الموسيقى هي غذاء الروح وهي قادرة على تحقيق النتائج التي تحققها جلسات العلاج النفسي، لذلك عليك الاستماع إلى الموسيقى التي تفضلها والتي ترفع من معنوياتك وتشعرك بتحسن. ولا بأس من أن تغني معها ولا يهم إن كنت لا تملك صوتا شجيا إذ يكفينا أن تشعر بالسعادة والانفراج.
6. مارس التمارين الرياضية وتمارين التأمل.
عليك أن تعي أن لطبيعة نمط الحياة الذي تعيشه دور كبير في تحديد طبيعة المشاعر التي ستلازمك. لذا عليك الحرص دائما على ممارسة الرياضة وتمارين التأمل وعدم التقليل من أهميتها؛ لأنها قادرة على تخليصك من كل الأفكار والمشاعر السلبية التي تشعر بها. بل وعلاوة على ذلك ستزيد لديك القابلية على الإنجاز وازدياد المشاعر الإيجابية لديك.
7. تخلص من الأشخاص السامين حولك واحتفظ بمن يهتم لأمرك.
عليك انتقاء الأشخاص المحيطين بك بعناية لما يلعبونه من دور أساسي في تشكيل منظومة الأفكار، وطبيعة ما تشعر به تجاه ما يحدث لك. لذا في حال كنت مستاء من أمر ما عليك التحدث مع أشخاص يهتمون لأمرك، وحدهم من سيقدمون لك النصح ويساعدونك على التغلب على الأوضاع الصعبة التي تعيشها. وبذات الوقت عليك إبعاد الأشخاص السامين والسلبيين من يعيشون على رؤيتك مستنزف وفاشل، أو من يشعرك بأنك عديم القيمة ولست جيدا بما فيه الكفاية. عليك ألا تعطيهم استحقاق التواجد في حياتك.
8. ارسم حدود واضحة لمن حولك.
يجب أن يكون لديك القدرة على رسم حدود واضحة لمن حولك عند التعامل معهم، ولا تسمح لأي أحد بالتعدي عليها أو تجاوزها. عبر عن انزعاجك فورا ولا تضع الكثير من المبررات لما يضايقك، إذ يكفي أن يولد لديك مشاعر وأفكار سلبية.
9. خصص وقتا لك ولا تستنزف نفسك بالعمل.
تجتب الإفراط في العمل كونه قادر ليس فقط على توليد الأفكار السلبية لديك إنما إيصالك لمرحلة الاحتراق النفسي. لذلك إذا كنت ترغب في أخذ استراحة فلا تخجل من ذلك، وعليك أن تدرك بأن لنفسك حق عليك، وأنك لن تكون قادر على تحقيق أو إنجاز أي شيء عند التعرض لوعكة صحية.
10. راقب حركات جسدك كونها تعبر عما بداخلك.
عليك مراقبة جسدك لتحديد ما تشعر به، إذا كنت من الأشخاص دائمي الخمول والعبوس عليك أن تتوقف عن ذلك وتستبدله بالابتسام والنشاط. صحيح أنها تفاصيل صغيرة ولكن من شأنها أن تحدث تغيير كبير.
تعددت العوامل التي قد تقف خلف هذا التفكير السلبي وهذه المشاعر السلبية التي يشعر بها المرء، والتي تدفعه بدورها إلى انتهاج سلوكيات معينة تغذي هي الأخرى هذا التفكير وتدعمه. ومن يصل إلى حكم قطعي عن نفسه أنه فاشل مثلاً نتيجة إخفاقه في تحقيق بعض الأمور، بالتأكيد سوف لن يشعر بمشاعر إيجابية، مثل: الثقة بالنفس والكفاءة والإنجاز. وبالتالي لن يكون لديه الدافعية والحماس ليحاول ويسعى إلى النجاح من جديد.
والذي يمر بخبرات وعلاقات مؤلمة ومؤذية مع الآخرين قد تتشكل لديه بعض الأفكار السلبية، وقد يعمم أحكامه على الجميع، وربما سيشعر بالسوء إن دخل في أية علاقة مع أي شخص آخر. وقد تدفعه المشاعر الناتجة عن تلك الأفكار إلى الانعزال الأمر الذي سيشعره بالرضا والهدوء المزيفين، أو تضعه هذه الأفكار في صدام مع الآخرين مما ينتج عنه مشاعر سلبية أكثر. و بالمحصلة سوف تتأكد لديه صحة معتقداته وأفكاره الخاطئة التي كوّنها سابقاً.
لا يوجد أحداً منّا لا يرغب في أن يكون سعيداً في حياته، ولا يوجد حياة سعيدة بالمطلق وخالية من أي كدر. ولكن في كل الأحوال لابد لنا وكي نحياها بالصورة الأفضل أن نراقب أنفسنا كيف نفكر، وأن نصون ذواتنا بالاعتدال، فالاعتدال في كل شيء هو أصل المسألة.
للتعرف أكثر على موضوع التفكير السلبي حمل تطبيق الصحة النفسية من حاكيني على الجوجل بلاي والاب ستور، وقم بتسجيل في موقع حاكيني للحصول على معلومات قيمة وأدوات عملية لتعزيز صحتك النفسية.