أزعم أن لاصدمة تؤذي نفسيا كصدمة الخيانة؛ لأنها فعل مقصود أولا، ولأنها لا تصدر عن عدو، بل عن شخص مقرب منك ائتمنته على نفسك، ثانيا. أن يطعنك أحدهم من الخلف فهذا هو الغدر، أما أن تلتفت فترى أن من فعل ذلك هو ابن بلدك الذي تناضل من أجله فيتخابر ضدك، أو عمك الذي أودعته مالك فيسرقك، أو صديقك الذي تفديه بروحك فيقوض مكانتك، فتلك هي الخيانة بعينها.
والخيانة لا تقتصر على العدوان الجسدي أو المادي الذي قد يحصل لك، لكنها تتعدى ذلك لتشمل الإساءة والانتهاك النفسي للعلاقة بين الخائن والمخون (من تمت خيانته)، ولها آثارها الوجدانية والإدراكية والعلائقية الهائلة وبعيدة المدى، فهي تجربة تمزق معتقداتنا الداخلية وتقطع أوصالنا مع الاخرين. قد تكون التجربة عامة كخيانة الحكومات للشعوب وقد تكون شخصية وتستهدفك أنت بالذات فتزعزع ثقتك بالناس ورؤيتك للحياة ومنظورك لذاتك، فتلوم نفسك بلا رحمة لأنك عميت عن التنبؤ بالخيانة ولأن الخائن استغل اعتمادك عليه فاستل سلاحه من جيبك.
يحتاج الإنسان إلى الثقة كمكون نفسي أساسي لاستمرار العيش والارتباط بشكل تعاوني وبنّاء مع الآخرين، فالثقة بالآخر هي عنصر مركزي لسواء النفس، وغيابها يولد الأمراض الارتيابية كالفصام والشخصية الزورانية (الشكاكة). كما أن الثقة هي عنصر مركزي لتطور المجتمعات فأينما وجدت كانت المجتمعات تعاونية تحكمها علاقات الربح المشترك، وأينما غابت كانت العلاقات هدامة والمجتمعات عاجزة، وفي دراسات "رأس المال الاجتماعي" سأل الباحثون العامة:"هل تعتقد أنه بإمكانك الثقة بالآخرين؟" فأجاب 65% من المفحوصين في النرويج بالإيجاب، بينما أجاب بذلك فقط 2% من الناس في البرازيل! وفي تلك المجتمعات حيث لا يثق الناس ببعضهم البعض تعم الجريمة والفقر والفساد ويفقد الناس الدافعية للجد والعمل والاجتهاد والرغبة بتحقيق الذات، وتتسم هذه المجتمعات بالمفارقات الاقتصادية الكبيرة بين السكان.
كيف لنا أن نغفو دون ثقة؟ كيف لنا أن نودع الأخرين أموالنا أو نخرج أولادنا من المنزل ونحن لا نحسن الظن بالاخرين؟ لكن للأسف يحصل أحيانا أن ينتهك أحدهم ثقتك التي أوليته إياها، وعندما يحصل ذلك فإنه من الضروري أن تعمل بما يلي:
- اعتن بنفسك بعد حدث الخيانة وارفق بها ولا تلمها على حسن ظنها، فالأصل أن نحسن الظن في الناس حتى يثبت عكس ذلك (إن بعض الظن إثم).
- لا تسمح للخائن بتحميلك المسئولية والتذرع بمعاذير وحجج لفعل الخيانة (خرجت مع امرأة أخرى لأن زوجتي نكدة، المال السايب بيعلم السرقة، الخ )،من الضروري أن تدرك أن الخيانة هي خطأ الخائن وليست خطأك، ولا توازي ولا تماثل بينكما في المسئولية عن الخيانة .
- لن نستطيع أن نتحكم بالآخرين ونمنعهم من الإساءة إلينا ولا يجب أن نجعل شفاءنا رهينة بين أيديهم ولا أن ننتظر منهم أن يعتذروا أو يصححوا ما فعلوا.
- من الضروري أن لا تخدع نفسك فتعمى عن ما حصل ولا تذهب نفسك حسرات فتدع التجربة تدمرك، قد تعصف بك مشاعر متباينة حول ما حصل، اصبر على المشاعر الصعبة واعمل على معالجتها دون إنكار.
- لا تخن نفسك: قد يتوقع الخائن بسبب حبك له أو اعتمادك عليه أن تخون نفسك وتغض النظر عن خيانته لتأمين احتياجاتك منه أو لأنك لن تستطيع مواجهته. لا تخن نفسك ولاتخن من خانك فتنتقم في ظهره ، لكن تسلح بقوة وفائك ، ولا تتردد بتسمية الخيانة باسمها الحقيقي وواجه من خانك، ما لم يعترف ويعتذر ويتراجع ويطلب المغفرة ويجتهد في كسب ثقتك من جديد.
- عليك أن تدرك أنك لا تستطيع تغيير الماضي، فلا تصرف وقتك وطاقتك في تمني عدم حصول الخيانة من الأساس، بل حاول الحفاظ على أمانك وحدودك الشخصية وركز على أهدافك المستقبلية، أو تعديلها بما يتناسب مع وضعك الجديد بعد العلاقة التي انتهكت.
- لا تعمم استنتاجاتك من تجربة الخيانة فتعزل نفسك وترتاب من الجميع، فتفوتك فرص بناء علاقات جديدة مع أشخاص طيبين وأوفياء.
وأختم برسالة لكل خائن، قد تكون ماهرا في إخفاء آثار خيانتك، وقد تكون ذكيا فعلا فتنجح في التغطية عليها، وقد تملك لسانا جاهزا لقلب الوقائع عندما تنكشف حقيقتك، لكنك في حقيقة الأمر جبان وتفتقر لقيم الشجاعة والوفاء. راجع قيمك كإنسان، وتحسس كتفيك لإنهما لن يتحملا وزر كل شك ربض في قلب أحدهم بسبب خيانتك.
اشترك مع منصة حاكيني للاستشارات النفسية اونلاين احصل على إرشادات من خلال برامج للمساعدة الذاتية او قم بالتحدث مع أفضل أخصائي العلاج النفسي، بما يشمل مختصين من المجال الاجتماعي، الزوجي، الاسري وغيرهم للاشتراك من هنا مجاناً.