"عقاب الطفل" تلك الكلمة التي تتردد دائمًا في أذهان الأمهات بعد أن يرتكب أطفالهن أي خطأ ويقفن ليفكرن ما هو العقاب المناسب؟ وكيف يمكن تنفيذه؟ ولكن، هل فكرت يومًا في تأثير ذلك العقاب على الطفل نفسيًا وجسديًا؟ وما هي حقيقة جدواه في التربية!
حيث يُعد عقاب الطفل من أكثر الأمور حساسية في عملية التربية، لأن كلنا يسعى إلى تكوين علاقات قوية مع أبنائه، بالإضافة إلى بذل كل الجهد من أجل تربيتهم بشكل يجعلهم أسوياء نفسيًا في المستقبل، وبالوقت ذاته نريد أن نربيهم على القيم والأخلاق، وننمي داخلهم شعور المسؤولية تجاه ما يرتكبونه من أفعال.
وهنا تقع الحيرة، فما بين طرق عقاب تدمر الطفل نفسيًا كالتي تشعره بالإهانة أو الدونية، أو طرق أخرى تجعله يفقد الثقة بأمه وبحبها له، تقع للأسف الكثير من الأمهات، لكننا اليوم نقدم لك أفضل الطرق لعقاب طفلك دون الإضرار بصحته النفسية أو الجسدية ونسلط الضوء على أهم المعلومات التي يجب معرفتها قبل الشروع في اتخاذ أي إجراء تجاه طفلك المُخطئ.
أمور عليك إدراكها قبل أن تعاقب طفلك
قبل أن تفكر في البحث عن العقاب المناسب لطفلك جراء ارتكابه خطأ ما، هناك الكثير من الأمور التي عليك إدراكها، ومن تلك النقاط ما يلي:
1. الأطفال قد لا يدركون البديهيات
هناك حقيقة نجهلها عند التعامل مع الأطفال وهي أنهم ما زالوا في مرحلة التعليم، فبحسب علماء التربية إن الأطفال قبل سن أربع سنوات لا يدركون الكثير من الأمور التي يعتبرها البالغين من البديهيات.
فالطفل لا يعرف أن الكهرباء خطر، وأن بعض الألفاظ لا يمكن التلفظ بها، لذا فإننا يجب أن نوجه الطفل ولا نبحث له عن عقاب إن قام بأي فعل وهو لا يعلم مدى خطورته أو ملاءمته للأخلاق العامة.
2. ليس كل ما تخبرك به رفقاتك صحيحًا
تعيش الأمهات في عالم يسوده الضغط في تلك الأيام، فالكل يتابع صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن يشاهد عدة مقاطع عن التربية يعتبر نفسه عالمًا بها، لذا تجدنا في تجمعات الأمهات كثيرًا ما تُرددن بعضهن أقوالاً وتطلقن أحكامًا على أنها أوامر مثبتة لا جدال فيها، ومن ثم تبدأ عملية الضغط على الأمهات الأخريات، فيجدن أنفسهن يعاملن أطفالهن معاملة جافة دون وجود سبب حقيقي يستدعي تلك القسوة والعقاب.
3. بعض الأخطاء تعلم دروسًا
دعني أطرح عليك سؤالاً، هل دون أخطائك في الماضي كنت ستصل إلى مكانك الحالي؟ بالطبع لا، فأكثر ما يتعلم من خلاله المرء هي الأخطاء التي يرتكبها ومن ثم يرى بعينه النتائج المترتبة عليها، فيعدل عنها، فلماذا نحرم تلك التجربة على الأطفال؟
بالطبع لا أقول أن نترك الطفل يلعب بالنار أو يحاول لمس الكهرباء، لكن هناك المئات من الأخطاء اليومية التي يرتكبها الطفل ومن ثم يتعلم، وهنا محل النقاش أن نوجه الطفل ليتعلم مما يرتكبه من أخطاء.
4. عرِّف طفلك على الخطأ أولاً وعاقبه إن تمادي
عليك أن تُعرِّف طفلك على الخطأ أولاً، فهو لم يخرج من بطن أمه يعرف الأخطاء والقواعد العامة، لذا عليك أن تعرفه عليها بالبداية، ومن ثم يمكنك أن تحدد معه العقاب المناسب إن لم يلتزم بها.
فكم من نظرات الصدمة التي يمكن أن تراها بعين طفلك إن قمت بمعاقبته على شيء وهو لا يفهم بالأساس أن ذلك الأمر مرفوضٌ.
عندما تتذكر دائمًا تلك النقاط، فإنك ستكون أهدأ في ردة فعلك تجاه الطفل إن ارتكب خطأ أو قام بفعل غير أخلاقي، ومن ثم ستبتعد عن طرق العقاب غير المسموح بها وستفكر جيدًا في طريقة عقاب مناسبة لطفلك، والآن نقدم لك بعض طرق العقاب التي يرفضها علماء التربية.
عقوبات الطفل الممنوعة: توقفي عنها فوراً
هناك بعض العقوبات التي ترفضها كل طرق التربية على الرغم من انتشارها بين الكثيرين، لما لها من آثار نفسية على الطفل، لذا يجب التوقف فورًا عن اتباعها، ومن تلك الطرق ما يلي:
1. الضرب
يأتي الضرب على رأس طرق العقاب الممنوعة أبدًا وأيًا ما كان خطأ طفلك، وذلك للعديد من الأسباب نذكر منها:
-
يجب أن ينشأ الطفل على أن جسده ملكًا له لا يمكن لأحد التعدي عليه بالضرب أو اللمس حتى وإن ارتكب بعض الأخطاء، ويجب أن يساعده أبواه في ترسيخ تلك القيمة، لذا إن ضربه أحد فإن هذا سيلغي عن جسده فكرة القدسية وسيمنحه انطباعًا بأن هناك استثناءات يمكن فيها لمس جسده.
-
يقلل الضرب من ثقة الطفل بنفسه وشعوره بقيمته ومن ثم يتسبب في الكثير من الأزمات النفسية تجاه رؤية الطفل لذاته.
2. الصراخ
تخيل طفلك الصغير وقد ارتكب خطأ ما ومن ثم وجدك بقامتك الكبيرة تصرخ في وجهه بكلمات متتابعة ووجه محتقن... هل لك أن تتخيل ما يشعر به؟
بالطبع سيرى الطفل أن تلك الطريقة هي الطريقة المثلى للاعتراض على أي أمر، وذلك لأن الأطفال يتعلمون بالمحاكاة، بمعنى أن الطفل ينفذ ما يراه منك وليس ما يسمعه.
كما وجد علماء التربية رابط قوي بين الأطفال الذين يتعرضون للصراخ والتعنيف اللفظي بشكل مستمر وارتفاع معدل الكذب، حيث يزيد معدل الأطفال الذي يكذبون كلما كان معدل تعرضهم للصراخ أكبر.
وفي تفسير ذلك، يتضح أن هؤلاء الأطفال يلجئون للدفاع عن أنفسهم من تلك النوبات من الصراخ عن طريق الكذب وعدم الاعتراف بأخطائهم.
3. الحبس في غرفة مظلمة
من ضمن الرغبات الغريزية التي يولد بها الطفل هو الرغبة في الشعور بأنه محبوب بطريقة غير مشروطة وأن الأم والأب هما مصدرا الأمان الذي يجب اللجوء إليه حتى في أوقات الخطأ.
لذا فإن عزلك طفلك في غرفة مظلمة بعيدًا عنك، ينزع عنه ذلك الشعور تمامًا، حيث يصل للطفل رسالة مفادها أنك إن ارتكبت أي خطأ أو تسبب في أي إزعاج لنا فإننا سنحرمك من الحب والرعاية والاهتمام وستصبح كمن لا وجود له.
تؤثر تلك الطريقة سلبًا على استقرار الطفل النفسي، فأمه التي يجب أن يشعر تجاهها بحب دائم يمكن أن تتخلى عنه إن ارتكب أي خطأ.
4. المقارنة مع الآخرين
أحد أهم الأمور التي يجب على الآباء التركيز عليها في بناء شخصية الطفل هو تعزيز قدرته على تقدير نفسه وأن يشعر بقيمته الحقيقية وألا يشعر بالدونية.
لذا فإن مقارنة الطفل بغيره وأن غيره أفضل منه ولا يتركب ما يقوم به من أخطاء يجعل الطفل يشعر بأنه أقل من غيره، وربما ينسحب ذلك الشعور على كل أفعاله في الحياة.
5. التهديد
يُعد التهديد من أسوأ المشاعر التي يمكن أن تصدر منك تجاه طفلك، فأنت مصدر الأمان المطلق له، لذا بدلاً من التهديدات يمكنك أن تخبر طفلك بشكل حازم -وليس قاسي- أن ما قام به فعل مرفوض تمامًا، وتوضح لك العواقب.
والآن لعلي أسمعك تقول إذا ما هي طريقة العقاب التي يجب أن نتخذها إذا ارتكب الطفل خطأ ما أو قام بفعل قمنا بتكرار التنبيه على كونه من الأخطاء.
طرق مسموح بها لعقاب الأطفال
قبل أن نشرح العديد من طرق العقاب المسموح بها للطفل، عليك أن تدرك جيدًا أن تلك الطرق هدفها الأساسي هو تقويم الطفل وتعديل سلوكياته ومنعه من ارتكاب بعض الأخطاء الأخلاقية، والأهم مساعدته على تحمل نتيجة أفعاله.
والآن دعنا نتعرف على طرق العقاب المسموح بها والطرق الصحيحة لتطبيقها:
1. امنح الطفل وقتًا ليفكر بتصحيح الخطأ
هناك بعض الأخطاء الذي يرتكبها الطفل ويمكن أن يتداركها، فقد يكون ارتكبها باندفاع ومن دون تفكير.
لذا فيمكن للطفل نفسه أن يدرك أن هناك خطأ ما ارتكبه بالفعل، لهذا يمكن هنا أن تكون طريقة العقاب هي أن تسمح للطفل بتصحيح الخطأ... مثلا اجعله يعتذر لمن أخطأ بحقه أو يحاول تصحيح ما أفسده في المنزل أو يعتذر لك عن الفعل الذي قام به.
2. سحب بعض الامتيازات من الطفل
الامتيازات تعني الأمور التي يحبها الطفل ولكن يمكن الاستغناء عنها، مثلا طفلك يلعب يوميا لمدة ربع ساعة ألعاب إلكترونية، يمكنك أن تحرمه منها كعقاب على خطأ محدد.
لكن تذكر ألا تحرمه من حضنك أو تمنع عنه شعورك بمحبته لأن تلك المشاعر ليس من ضمن الامتيازات ولكنها أساسيات.
3. عوِّده على تحمل مسؤولية الخطأ
إن قمت بالاتفاق المسبق مع طفلك أن اللعب سيكون داخل غرفة محددة يمكنه أن يلعب بها كيفما يشاء، ومن ثم وجدت ألعابه تملأ غرف المنزل بالكامل، لا تقوم بضربه أو الصراخ بل تحدث إليه مباشرة وذكره بالاتفاق بينكما ومن ثم اجعله يقوم بجمع الألعاب لكي يتحمل نتيجة أفعاله.
كل تلك الطرق المذكورة تعد من الطرق المسموحة في عقاب الطفل، لكن عليك أن تتذكر دائمًا أن أي منها لا يمكن استخدامه مادام الطفل لا يعرف أن ما ارتكبه هو فعل خطأ.
فلا معنى أن يقوم طفلك بفعل محدد وهو يجهل تماًاً كونه مرفوض ومن ثم تقوم بتطبيق عقاب عليه، حيث يؤدي هذا إلى اهتزاز ثقة الطفل وعدوله عن القيام بأي فعل خوفًا من العقاب على شيء لم يعرفه.
طرق تحديد العقاب المناسب للطفل
يعتمد تحديد طريقة العقاب المناسبة على العديد من العوامل مثل السن وطبيعة الطفل ومدى الخطأ الذي ارتكبه.
لهذا فإن عليك الانتباه جيدًا قبل اختيار طريقة العقاب، فـ وإن كانت بعض الطرق مسموحة فإن هذا لا يعني أن كلها تنفع مع كل الأطفال.
وأخيرًا، تذكر أنه لا يجب عقاب الطفل قبل أربع سنوات فهو ما زال غير قادر على التمييز وما زال يكتشف الحياة من حوله.
كثيرًا ما ترتبط أفعال الطفل ببراءة طفولته، فعادة لا يقصدون ما يفعلونه مهما كان حجم الخطأ، فلذا من الغير المنطقي أن تواجه طفلك دائمًا بعنفوان وقسوة تفسد علاقتكما معًا بمرور الوقت، فالأفضل دائمًا أن تجعله مسؤولاً عن أفعاله، و حسب مرحلته العمرية، اختر طريقة للعقاب سلمية تزرع فيه مبدأ المسؤولية دون أن تؤذيه نفسيًا أو جسديًا.