ينجح المرء لاجتهاده أحيانا، وبتوفيق من الله غالبا، فيفرح له كثير ممن حوله ولكن البعض قد يتألمون من نجاحه وتوفيقه، فتفوح رائحة الحسد من أفواههم وقلوبهم. فما هو الحسد؟ وما الذي يولّد ذلك الشعور؟ وكيف نتعامل معه؟
ما هو الحسد؟
إن الحسد هو شعور مبغوض اجتماعيا ولا يعترف به أحد بالرغم من شيوعه، لأن في ذلك تصريح بتفوق الآخرين على الحاسد، كما أن شعور الحسد يكشف عن عداء مجبول في النفس قد يكون خافيا للعيان. والحسد هو شعور مختلط من ألم الدونية والضغينة بسبب إدراك الحاسد لميزة أو نعمة لدى غيره كالنجاح أو العلاقات الحسنة أو المال أوغيرها.
لماذا نشعر بالحسد؟
إن الحقيقة الكامنة وراء الشعور بالحسد هي الشعور المتأصل بالدونية والتي تتأجج كلما تفوق أحد من الأتراب، فالحسود يفسر تفوق الآخرين على أنه تقليل من شأنه، مما يضيف إليه شعورا بالإحباط والفشل. كما أن الحسد يتولد من ثنائية إدراك الحاسد لحصول الآخر على الميزة وإغفال الصعوبات والعقبات التي يواجهها الناجح في حياته. ذلك النوع الخاص من العمى يجعل الحسود كذلك يبصر ما فاته من فرص ويعمى عن ما يغمره من نعم وهبات، مما يذكي الشعور بالحسد.
لكن هذا لا يعني أن الحسد هو نتيجة حتمية لنجاح الآخرين وتفوقهم، وإلا لامتلأ المجتمع بالشر وتقطعت أوصالنا الاجتماعية. قد يثير امتلاك الآخرين لميزة ما شعورا بالغبطة والإعجاب، بحيث يود الإنسان أن يحذو حذو الناجح دون أن يتمنى زوال النعمة عن صاحبها. هناك عامل آخر مهم قد يحدد انبعاث الحسد من عدمه هو مدى تشابهك مع الشخص المحسود، من حيث الجنس والعمر والخلفية الاجتماعية والتخصص وما شابه مما يتشارك فيه الناس. إذ كلما تشابهت مع المحسود في تلك الخصائص، زادت احتمالية الشعور بالحسد. فقد لا تشعر بالحسد من مغنٍّ عالمي علمت أن دخله يتجاوز المليون دولار بينما ستشعر به من زميل لك في التخصص تلقى ترقية نتيجة جهده ومثابرته.
كيف نتشافى من الحسد؟
لا يستطيع الإنسان التشافي من الشعور بالحسد طالما لم يعترف به، لذا كن صريحا مع نفسك وتفكر في مشاعرك وسلوكياتك، وانظر إن كان أحدها أو جزء منها يخفي وراءه حسدا. يظهر الحسد على شكل عداء – ظاهرا كان أم باطنا- للشخص المحسود، وتمني – أو حتى العمل على- تقويض نجاحه أو انتزاعه منه، كما قد يظهر على شكل غضب غير مبرر من الشخص المحسود عازيا ذلك لأسباب – لو تفكرت فيها وكنت صادقا في ذلك – لوجدتها غير منطقية، يظهرالحسد أيضا على شكل تقليل من قيمة الميزة التي يمتلكها الشخص الناجح أو محاولة إظهار عيوبه (لقد نجح فقط بمساعدة الآخرين أو بوجود واسطة، أو لقد فاز بالمنحة الدراسية لكنه فاشل في علاقاته الاجتماعية!)، قد يبدو الحسد كذلك على شكل محاولة لتقمص صفات الناجح ومحاكاته، أو على شكل مفاخرة بالميزات التي يمتلكها الحاسد ليغطي على نقائصه؟
كيف اتصرف اذا شعرت بالحسد؟
قيل أن الحسد هو الخطيئة الوحيدة التي لا يصحبها متعة، بل انزعاج وغضب وضيق صدر، ولا تتجلى المتعة للحاسد إلا عند زوال النعمة عن المحسود أو نزول المصائب عنده، فتظهر على شكل شماتة، وما أدنأها من متعة! لذا سأخبرك بالطريقة المثلى التي يجب أن تتصرف بها إن شعرت بالحسد، لعل في ذلك شفاء لمشاعرك العليلة:
- قبل كل شيء عليك الاعتراف بمشاعر الحسد أمام نفسك وكن صريحا في ذلك.
- تعاطف مع ذاتك ولا تلمها على تلك المشاعر ما لم يتبعها سلوك مؤذ للشخص المحسود.
- استفد من تلك الطاقة لتطوير نفسك والعمل والجد لاكتساب المزيد من المزايا والنجاحات.
- اصرف وقتا للتفكر في ما تملكه من نعم وفضائل.
- قارن نفسك بنفسك مع مرور الزمن، واحرص على أن تتطور دائما إلى الأفضل ولا تقارنها بغيرك، فلكل منا رزقه وتحدياته الخاصة في رحلة الحياة.
- لا تعترض على توزيع الله لنعمه على خلقه، وادع الله أن يرزقك الخير كما رزق غيرك، واسعَ لتحقيق ذلك.
أما رسالتي للشخص المحسود، فلا تبالغ في تحسسك من تصرفات الآخرين عند نجاحك أو حصولك على نعمة، ولا تحاول جعلها سرا خوفا من الحسد، ولا تعزُ كل مشاكلك والصعوبات من حولك للحاسدين، واستمر في طريقك للنجاح والتفوق، وتذكر قول العرب قديما: "اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله، فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله".
اشترك مع منصة حاكيني للاستشارات النفسية اونلاين احصل على إرشادات من خلال برامج للمساعدة الذاتية او قم بالتحدث مع أفضل أخصائي العلاج النفسي، بما يشمل مختصين من المجال الاجتماعي، الزوجي، الاسري وغيرهم للاشتراك من هنا مجاناً.