لنأخذ على سبيل المثال الطفل المحروم يحلم بالاكتفاء.. وما يساعده على بناء الفكرة والتفكير هو الحرمان بحد ذاته.
ومما لا شك فيه أن النقص قد يحفزنا على الاكتمال والنمو. إذ أن قبولنا الجزئي لذاتنا يساعدنا على أن نبني تقييما موضوعيا وحقيقيا لتلك الذات، لندخل من بعد ذلك في رحلتنا لمحاربة النقص والتي ينتج عنها بناء العارض.
نقص الامان أو الحاجة أو الاكتفاء يكون اساسيا في معظم اشكال المعاناة الانسانيه.
يصبو الانسان ويبحث في حياته عما يهيئ له الاكتفاء، و قد يعبر عن ذلك من خلال سعيه بالحصول على العمل الأفضل والمهنة المثلى، وعلى بناء علاقة مع الشخص الأمثل.
إن الدافع والمحرك الرئيسي لهذا السعي هو البحث الدائم عن الجنة المفقودة، أما الدافع الثاني يكون نحو المعرفة، وهو قوة ثانيه تحركنا من أجل البحث عن المعنى والطريق. اما الدافع الثالث فهو البحث عن الروحانية بعدما اكتمل نمونا الجسدي والنفسي.
النقص والناقص، الاكتمال و الاكتفاء، او محاربة النقص يرافقوننا منذ الطفولة المبكرة. حيث تكون حياة الطفل متعلقة في ثدي امه وحليبها.
منذ اللحظة الاولى تنشأ ديناميكية غرائزية بدايتها تكون توق الطفل الى "الثدي الخير" وحاجته للاكتفاء والشبع من حليب امه وحبها..الغريزة تثير "الجشع" نحو الغائب الذي يتوق اليه في جوعه وحرمانه وانتظاره وهو يشعر انه صغير ومتعلق.
هذا "الجشع" يؤدي إلى " الحسد" تجاه الثدي الغائب (تعبيراً عما هو ناقص ومرغوب) ، فيصبح الطفل مستعدا لتدمير هذا الثدي الخيّر(الناقص و المرغوب) ومعه يدمر ذاته، فقط لئلا يشعر بألم الحاجة والنقص.
الاكتفاء والامتلاء والخير يخففان من حدة النقص، فالطفل عندما يكون قادراً على اشباع جوعه ورغباته يصير اقل تدميرية، فيتقبل ان الأم ليست ملكه، وهي منفرده ولها خيار الذهاب او التأخر عنه وعن حاجته، وإذا كانت قادرة على أن تبني لديه شعوراً بالأمان و المحبة وانها رغم تأخرها فهي عائدة لتهبه الشبع والحب، فانه يغدو بالغا قادرا على تحمل النقص و قادرا على المحبة وامان عودتها.
يتمثل خوف الطفل من تدمير ذاته بخوفه على هذه الأم، فيتحول خوفه لرعاية ومحبة واهتمام بها لئلا يفقدها، فيهتم بتقديم ابتسامته ويصالحها عندما يغضبها ويشعرها بالإثم اذا أنهكها.
هذا الشعور و التوتر الثنائي الأطراف، يرافقنا مدى الحياة. توتر بين الغرائز القوية والرغبة والخوف من نقص الاكتفاء تجاه الآخر (الأم/الثدي)، وبين التوتر الحاصل من القلق على مصير هذا الآخر (الام/ الثدي) والخوف من امكانية تدميره بغريزة العنف والموت وهو ما يميز وضعية الامتنان والمحبه واكتمال الذات والآخر ورؤيتهما بأكثر شمولية، حيث ندمج بين خيرنا وشرنا ومساوئنا لنصبح اكثر انسانية مع ذاتنا والآخر.
ان النقص والحرمان يحرموننا من تذويت الآخر الخير فتهدد الغرائز سيطرتنا وتعزز تدميريتنا. لكن ان كان النقص معقولا ووفق قدرة تحملنا فإنه يحثنا الى ايجاد التوازن الصحي بين النزعة التدميرية والمحبه.
النقص هو دافعنا الأمثل نحو الحركة والتطور، فلا دافع بلا نقص. اما "الحرمان" الذي تغيب معه خبرات الاكتفاء والامتلاء فهو نقص تدميري.
النقص يؤدي للدمار إذا غابت المحبة.... فوحدها توازنه.
قم بتسجيل في موقع حاكيني للحصول على معلومات قيمة وأدوات عملية لتعزيز صحتك النفسية.