لا بدّ أن يتعلم أطفالنا أن هناك فروقا واضحة بين الرغبة والضرورة، أي بين الشعور والحاجة. هذا الأمر إن وضحّه الوالدان للطفل، سيُبنى عليه الكثير من القرارات، الاختيارات، المساعي، الجهود، التقدم، والصورة المستقبلية التي سيرسمها الطفل بذاته لذاته. اتباه الأهل لهذه المسألة، سيمكنهم من استحضار مفاهيم مهمة كالمجاهدة، الصبر، المحاولة، السعي، والمرونة. هذا الأمر تكمن شدة خطورته في تحديد الصورة التي سيكون عليها مستقبل هذا الطفل، من حيث ممارساته وردود أفعاله واتخاذه للقرارات.
ما هو مفهوم الرغبة؟
ميل الإنسان لتلبية ما يحقق لذاته الاستمتاع والسعادة مع انتقاء عنصر الضرورة مما يريد تحقيقه، وبهذا المعنى فإن عدم تلبية الإنسان لما يحقق له السعادة لن يؤدي إلى تهديد وجوده وبقاءه.
ما هي أنواع الرغبات؟
أجريت العديد من الدراسات التي بحثت في أنواع الرغبات منها:
- رغبة الإنسان في أن يكون مقبول لمن حوله.
- الرغبة في المثالية والوصول لما هو شبه كامل.
- الرغبة في اكتساب المعرفة والبحث عنها.
- الرغبة في تحقيق الاستقلالية، والاعتماد الكلي على النفس.
- الرغبة بالتوفيق والادخار.
- الرغبة في السيطرة على الآخرين.
- الرغبة في الانعزال والابتعاد عن المحيط.
- الرغبة في الانتقام من الآخرين.
على تعدد هذه الرغبات يظهر دور الأهل في ضرورة تقويم أطفالهم الذين يخلقون بهذا الكم من الرغبات، لانعكاس ذلك على الطريقة التي سيكملون بها حياتهم، مثلا: لنتخيل طفلا يقوم بتنظيف أسنانه وفقاً لرغبته، لا لضرورة أنّ عليه الاعتناء بها. أو طفل يقوم بحلّ واجباته لأن لديه حماس لفعل ذلك، وعندما يغيب هذا الحماس يمتنع عن أدائها.
هذا الطفل سيكبر ويصبح بالغاً راشداً، ليس لديه رغبة لتحقيق حلمه في الدراسة، فيذهب للعمل في أي شيء هو متاح. كما ليس لديه رغبة في الاستمرار في علاقته الزوجية، فيختار الانفصال. هذا الأمر خطير جدا ولابد من طرحه، لأنّ هناك سوء فهم واضح لما تتناوله وتطرحه مفاهيم ومصطلحات التربية الإيجابية وما شابهها. والتي تفهمها الأمهات على أنها دعوى للتدليل والعطف الزائد. لكن في حقيقتها هي تدعو إلى العطف بجانب الحزم الجيّد والفعال. تدعو إلى التدليل إلى جانب الضبط المنتظم الواعي الذي يصون كرامة ومشاعر الطفل.
هذا الأمر فعليا، نقوم بالتركيز عليه كأولوية قصوى مع أطفالنا عندما يصبحون في مرحلة نمائية، تؤهلهم للقيام بالعديد من المهمات المطلوبة التي تحتاج شيئا من الاستقلالية، الالتزام، والاستمرار الدائم.
ما هو الفرق بين الرغبة والحاجة؟
ببساطة يمكن الإجابة على ذلك بأن الرغبة: هي الشيء الذي إن لم يتوفر لن تتوقف عنده حياتنا أو تنتهي. بينما الحاجة على العكس تماما، هي الشيء الذي يقود عدم توفره لتوقف حياتنا ومن الممكن انتهائها. كيف يمكن أن نعكس هذا كله في تربية الطفل.
على الأهل من أجل تحقيق ذلك أن يتخذوا من هذه العبارة أداة لهم، "التقدم الحقيقي يكون في مواجهة الرغبة العابثة، والعمل بما هو مفروض". يجب إفهام الطفل بأنه لا يمكن إحراز تقدم حقيقي من وراء تلبية الرغبات، وهذا يتطلب من الأهل بعض الحزم في بداية الأمر، لذلك ستكونون مضطرين كأهل في كل مرة أن تحاولوا إقناع الطفل بأهمية وجدى الدراسة، وبأنها تمثل حاجة. وهذا يتطلب الهدوء، التدرج في طرح الأمر، والمجالسة لأيام وساعات طويلة للتحدث عن فضل الدراسة. ما بعد ذلك، عندما يحاول الطفل مناقشة الأهل في ذلك بدعوى الرغبة، أي أن ليس لديه رغبة في التعلم هذا يتطلب ضرورة أن يكون هناك حزم في التعاطي معه، وعدم السماح لرغبته أن تحضر، بل إفهامه بأن الحاجة هي الأولى.
في الأمور الأساسية والهامّة يجب أن تتقدم الضرورة على الرغبة، فيما الأمور الثانوية يكون للطفل الحرية في ذلك، كالرغبة في تناول وجبة طعام، أو الخروج في نزهة، أو شراء شيء ما. لا يجب أن يقوم الأهل بذلك بشكل قاس، بل بأسلوب حازم، واضح مع إقرار مشاعره، وأقول له: "أنا أشعر برغبتك في عدم فعل ذلك، لكن للأسف عليك فعله". الحضور الطاغي للرغبة على ما هو ضروري وواجب، يخلق طفلا هشا، متراخيا، غير قادر على مقاومة تحديات الحياة، عاجز عن المحاولات، عاجز عن الاجتهاد والسعي، والقدرة السليمة على اتخاذ القرارات.
لا تؤجلوا تدريب أطفالكم.. ابدؤوا الآن.. ساعدوهم.. خذوا بأيديهم.. وشاركوا في صنع مستقبلهم.
كيف تؤثر الرغبة على الإنسان؟
في الختام، من الضروري أن نملك إجابة واضحة حول تأثير الرغبة على الإنسان، ليكون لدينا القدرة على بلورة أهمية عدم الانصياع بشكل دائم تجاه رغبتنا لأطفالنا، وتأثير ذلك عليهم. تعبر الرغبة عن الثقافة التي نحملها، إذ عندما نكون من الأشخاص المنقادين تجاه رغباتهم ونسعى كل السعي لتحقيقها، هذا بالصرورة انعكاس لطبيعتنا الشهوانية. بينما، عندما نكون أشخاص نبدي أولوية لحاجاتنا على رغباتنا فهذا انعكاس لقدرتنا على ضبط وكبح شهواتنا. وهذا بدوره سينعكس على طبيعة الحياة التي يعيشها كل من الشهواني والمنضبط، ويأتي دور الأهل في خلق هذا الإدراك والوعي لدى طفلهم حول ما سيؤول إليه حالهم في حال تقديم الرغبة على الحاجة والعكس صحيح.