الضغط النفسي - كيف نتعامل مع الضغط النفسي ؟

ملخص المقالة

12/04/2022
main-image

بداخل كل واحد منا طفل فتجارب الطفولة تبقى، يمكن أن نكبر ويكون لدينا القدرات والإمكانيات للقيام بعدة أمور، ولا نتمكن من إنجاز أيا منها لامتلاكنا نمط تفكير الطفولة، نكبر ونحن نمتلك ذات النمط من التفكير، مثلا: نكون قد اعتدنا منذ الطفولة على اتباع طريقة الاستسلام في مواجهة ظروف حياتنا، ما يجعلنا غير قادرين على اختراق الحدود رغم قدرتنا على اختراقها، ويعود السبب في ذلك إلى نمط تفكير الطفولة الذي يدير حياتنا ونحن أشخاص ناضجين. فما علاقة الضغط النفسي وطريقة او نمط تفكيرنا الذي اعتدنا عليه؟ 

عندما نكبر من المفترض أن نأخذ قرارتنا كناضجين، ولنتمكن من فعل ذلك علينا أن نطمئن الطفل الذي بداخلنا، ونجعله يدرك أن الحياة قد تغيرت وأن قدراتنا هي قدرات أخرى، جديدة، فعلينا أن نبدأ حياة ذات نمط تفكير صحي، وذلك يتم من خلال العمل على الاستثمار بأنفسنا وتطوير تطوير أنماط التفكير لدينا. 

ما علاقة الظروف الخارجية بحالتنا النفسية؟

ليست الظروف الخارجية هي ما يحدد الوضع النفسي لأي منا، من الممكن أن يواجه أحدنا ظرف فقدان الوظيفة، لكن ليست مسألة الفقدان هي ما يشكل الضغط النفسي، بل كيف تكون ردة فعل كل منا تجاه هذا الظرف هو ما يشكل الضغط النفسي، البعض قد يواجه هذا الظرف بتجاوز مسألة فقد وظيفتهم والبحث عن سبل وظيفية أخرى، والبعض الاخر يذهب باتجاه الانتقام، الشك، وتشكيل ردود فعل عدوانية.

فما الفرق ما بين من تجاوز الفقد ومن وقف عنده وأصبح عدواني؟ نحن نعرف ان كلا الطرفين تعرضا لنفس الظرف، ولكن كل واحد منهم وصل لنتائج مختلفة، مما يعني أن الفرق بين الظرف والنتيجة يكمن بوجود أنماط تفكير لدى الإنسان تتطور معه منذ طفولته وهي التي تحدد كيفية تعملنا مع الضغوطات النفسية. 

انماط التفكير المختلفة للتعامل مع الضغط النفسي:

هنالك من يواجه ظروفه بعبارة "أنا لا أستطيع"، وهي عبارة تشكل نمط تفكير معين، وكذلك عبارة "أنا أقدر ويجب أن يستجيب لي الآخرين" والتي تشكل نمط تفكير اخر، صحيح أن كل واحد منا يملك نمط تفكير معين، ولكن من المهم أن نعمل على قراءة أنماط تفكيرنا حسب الماضي والحاضر الذي نعيش، ولا يجوز أن نجعل هذه الأنماط أسيرة الماضي. 

فلا يوجد طريقة تفكير غير قابلة للتطور هنالك العديد من طرق التفكير التي تطورت. وأمام هذه الطرق المتعددة من التفكير لابد من التأكيد على أن العامل الرئيسي في تحديد أي طريقة نسلك في حياتنا هو الإرادة، تعد الإرادة لدى الكثير منا عامل منسي، فقليل منا من يتذكر استعمالها، وأن كل كائن منا طالما يفكر إذا لديه الإرادة في التغيير.   

اقرأ ايضا كيف يحدث الضغط النفسي وكيف تتم مواجهته

قوة الارادة والضغط النفسي:

ذكرنا سابقا أن كل منا يملك الإرادة في تغيير نمط تفكيره، حتى وأن كان الإنسان لديه طباع معينة كأن يكون عصبي بطبعه، هو يملك الإرادة وقادر على تغيير طباعه لاتجاه اخر وأن يجرب بدائل مختلفة، فالإنسان العاقل يملك إرادة ورغبات، ويمكنه قياس الطريقة الأفضل والمناسبة ليتصرف بها. كثير من الناس يقولون إنهم ضحية عاجزة أمام الظروف. 

لكن هذا غير صحيح إذ لا يوجد شخص عاجز، ولإثبات ذلك لنتناول موضوع السجن وظروفه الصعبة، لا يوجد تجربة أكثر قسوة من تجربة السجن، لما يحتويه من ظروف معيشية ومكانية صعبة، ومع ذلك عند العمل على دراسة حالات السجناء نجد أنه حتى في ظل هذه الظروف الصعبة كل سجين يملك الإرادة في الاختيار، إما أن يختار الانصياع لهذه الظروف أو التمرد عليها. فنجد من يختار أن يساير السجان ليأخذ السجائر مثلا، وهنالك من يقرر أن يحتج ويضرب عن الطعام، واخرين يخططون للهرب، أو يدرسون ويحصلون على درجات علمية، ومن يقررون الانتحار في داخل السجن.

صحيح أن السجناء لا يملكون الإرادة الكافية لتحديد الخيارات والبدائل، لكن مع ذلك يبقى أمامهم بضع خيارات وكل منهم يسلك الخيار الذي يمليه عليه نمط تفكيره، وهذا المثال يجعلنا نتفكر بأننا وبعكس السجناء نملك البدائل، كما نملك حق الخروج من الدوائر الخانقة، من الممكن أن نجد من يعمل في عمل معين لكنه خانق عليه أن يتذكر أن أمامه بدائل وبإمكانه الاختيار فيما بينها، لكن من المهم أن يدرك وجود ثمن لكل اختيار، مثلا من الممكن أن يختار البقاء في وظيفته أو التخلي عنها، والتخلي لا يعني بالتأكيد أنه مغلوب على أمره بل هذا في النهاية اختياره.

عند اتخاذ أي قرار يجب أن تتذكر بأنك إنسان ولست شجرة ثابتة

يجب أن تقرر إما أن تكون إنسانا أو مجرد شيء (جماد)، وإذا قررت أن تكون شيئا فهذه كذبة كبيرة وذلك لعدة اسباب: 

  • أولاً: انت لست شيئا!
     
  • ثانياً: إذا تعاملت مع نفسك كجماد كيف من الممكن أن تطلب من الاخرين احترام رغباتك وإرادتك وأن يتعاملوا معك كإنسان، فإذا أردت أن يعاملوك كإنسان، إبدأ أنت بمعاملة نفسك على أنها إنسان لديه رغبات وعقل، وعندها من الممكن أن يستجيب الاخرين لك، أما إذا تعاملت مع نفسك كجماد سيعاملك الاخرين كجماد ولا تتوقع نتائج أخرى.
     
  • ثالثاً: إذا تعاملت مع نفسك كجماد ستبقى عاجز و تنتظر الحل من الخارج.
     
  • رابعاً: إذا لم تكن تعلم كيف تدير نفسك، وتتعامل مع نفسك كجماد يدار من الخارج، كيف سوف تدير الاخرين بالأخص إذا كنت عصبي ولديك نزعة إدارة الاخر.

أنماط التفكير المختلفة التي تتواجد داخل مجتمعنا

  • نمط العصبية:

نمط تفكير سائد في مجتمعنا نسمعه في تعابير مختلفة، والذي يمكن أن نطلق عليه نمط (العصبية)، ويمكن التعبير عنه باستخدام عبارات مثل: "ابني أغضبني وجعلني اضربه، أنا مخنوق من المجتمع الذي يفرض علينا ما يجب فعله" هذا تنسيب خارجي يجعل المرء يتعامل مع نفسه على أنه غرض، هنالك مصطلح منتشر عند العرب (قطعنا الباص) هذا نمط تفكير لا أحد يتحمل مسؤولية ما يحدث معه بل ينسب ذلك للأهل، الظروف، او الاحتلال، المهم أنه لا ذنب له وهذه أكبر إهانة ممكن أن يرتكبها الإنسان بحق نفسه.

  • السيطرة على الاخر:

من يخرج للسيطرة على ملاعب الغير يشعر بالعجز والضغط النفسي، بينما من يعمل على ممارسة سيادته على نفسه وإدارة شؤونه شعر بالقوة والراحة النفسية. أنت تستطيع أن تدير نفسك ولا تستطيع أن تدير الاخرين، هنالك أشخاص يفهمون الحياة بشكل خاطئ، يشعرون بالاستياء عندما لا تستجيب لهم الحياة، ولا يدركون أن الحياة ليست مسؤولة عن الاستجابة لنا فالحياة تسير دوننا، ولا الآخرين مجبورين على إطاعتنا، مسؤوليتنا هي أن نفهم الحياة والاخرين وأن نقرر كيف تتعامل معهم، وكيف نأخذ ونعطي ونحقق ذاتنا. مسألة الاستجابة لنفسك هذه مسؤوليتك وليست مسؤولية الحياة، وعند إدراكك لذلك سوف تكف عن الشكوى من الضغط النفسي. 

  • تحمل مسؤولية الاخرين:

هنالك أشخاص يحملون مسؤولية الجميع كأنهم الوحيدين في هذه الحياة، مثل: الزوجة العاملة التي تتحمل مسؤولية البيت، التعليم، دروس الأولاد، صحتهم، سعادتهم، هموم زوجها، وسعادة أمها وأباها، لا تبقي شيئا للآخرين ما يجعلها في النهاية تشتكي من الضغط النفسي، طبعاً من الطبيعي أن تصبح مضغوطة نفسيا لأنها تقوم بجميع هذه الأدوار التي من المفترض أن يشاركها من حولها القيام بها، وأن يتعلموا أن يكونوا أشخاص جيدين ويقومون بالأدوار المناطة بهم. 

  • إرضاء الاخرين وتعليق سعادتنا على إرضائهم: 

الجميع مرعوب وخائف من الاخر ولا أحد يملك سيادة على نفسه. واحدة من دراساتي في المجتمع العربي وجدت أن سعادة الشخص في المجتمع العربي تتعلق برضى ورأي الآخرين وتعاسته كذلك وهذا يختلف عن الغرب، سعادة الشخص في الغرب تتعلق بتحقيق ذاته، وتعاسته تتعلق بفشله في تحقيق الذات، يجب أن نعرف أن هنالك أكثر من شيء واحد صحيح، ما يقوله الآخر عنك يدل عليه أكثر وليس على ما أنت عليه، فإذا قال إنك لطيف ذلك لأنه قارنك مع شخص اخر ودماغه فسر أنك شخص لطيف أو أن لديه نوايا حسنة تجاهك فيقول إنك لطيف فيتعلق ذلك بعقله، تفكيره، ونواياه. لذلك من الأفضل لك ألا ترهن حياتك بما فيها من حزن وتعاسة بحسب رأي الآخرين.

يجب عليك تغيير نفسك حتى تتمكن من تغيير الآخر، يجب أن يكون تأثرك في رأي الآخر مرهون بحجم  الأهمية التي تعطيها لهذا الاخر، فما يشكل الضغط النفسي ليس الاخر إنما الأهمية التي تعطيه إياها، والكثير من الضغوطات النفسية تتشكل بفعل طريقة تفكيرك. في النهاية يجب أن تفهم أن الحياة تحتوي على جوانب نجاح، فشل، أنانية، قوة، ضعف، وعطاء. فإذا قبلت بالدنيا بهذا الشكل فسوف تتعلم كيفية التعامل مع الحياة بجانبيها الأبيض والأسود، والقبول هو أن تفرح بالجانب الأبيض وتواجه الجانب الاسود.

عند الحديث عن الضغط النفسي، يجب الأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية: 

  • الضغط النفسي يتعلق بطرق المواجهة وليس بالظروف. 
     
  • نستطيع تغيير طرق المواجهة العقيمة التي اعتدنا عليها إلى طرق ندير بها الظروف، هكذا ننتقل من حالة العجز إلى حالة السيادة والسعادة. 
     
  • بالإمكان تلقي تدريبا للتحرر من القيود، الأعباء، ومن سيطرة الآخرين وإدارة حياتنا بما يرضينا.
     
  • الجسد والنفس وجهان لنفس العملة والفصل بينهم غير ممكن والعلاقة بينهم معروفة علمياَ، فعند الحديث عن وضع جسدي فهو غير معزول عن إدراك أنفسنا وأدراك الآخرين، فمثلا: عند تذكر شيء محزن تتولد لديك دموع، وعند تذكر شيء مقزز يصبك غثيان في المعدة، فالجسم يعطي ردة فعل للأفكار والأفكار تجعل للجسم ردة فعل والعكس صحيح.
     
  • المعالجة الدوائية: القناعة السائدة في المجال الطبي والنفسي أن الجسم يمرض عندما لا يكون قادرا على معالجة نفسه، لأن الجسم قادر على معالجة نفسه بنفسه، فان جميع الأدوية اللازمة، الجسم قادر على إنتاجها لكن الجسم يحتاج إلى دواء عندما يختل توازنه، ويتوقف عن إنتاج المواد التي يجب أن ينتجها، لذلك التعامل مع الظروف التي نمر فيها تعيق تحقيق التوازن الجسدي وعندها نحتاج الى الدواء.
     
  • تأثير الدواء لا يمكن قياسه بشكل دقيق، لأن غالبية الأدوية التي لها علاقة بالمشاعر مثل: أدوية الاكتئاب أو الأوجاع أكثر من 30%الى 60% من تأثيرها يتعلق في قناعة الشخص في تأثير الدواء والكيماويات نفسها، فالدواء لا يعمل بنفسه بل حسب اعتقاد الإنسان بالدواء وكيفية تأثيره، وبذلك لا يمكن الفصل بين النفس والجسد بل هما لغتان لنفس الظاهرة.
     
  • الجينات والأهل لا يصنعون شخصية الطفل، بل شخصيته تتشكل نتيجة تشابك بين الجينات، الأهل، والوراثة التي بمجملها تعطي برمجة معينة يمكن أن تعمل ويمكن ألا تعمل، وما يدير هذه البرمجة هي البيئة. 
     
  • مصدر الضغط النفسي عند الاطفال يكون خارجي أكثر مما هو داخلي، لأن قدرتهم على السيطرة تكون أقل بينما الكبار لديهم قدرة أكبر.
     
  • القدرة على التأقلم والمرونة في التأقلم هو جزء من الصحة النفسية ويحمينا من الضغط النفسي، المهم أن نستطيع ملائمة الأدوات مع الضغط النفسي الذي نمر به.
     
  • الخوف ضمن درجات معينة وحسن التعامل معه يجعل الإنسان يتأقلم ويتطور ويحسن نفسه، لكن ارتفاع درجة الخوف والقلق يسبب ضرر، في العادة الإنسان يسعى إلى التخلص من الخوف والقلق لا أن يعتاد عليه.

اشترك مع منصة حاكيني للاستشارات النفسية اونلاين احصل على إرشادات من خلال برامج للمساعدة الذاتية او قم بالتحدث مع أفضل أخصائي العلاج النفسي، بما يشمل مختصين من المجال الاجتماعي، الزوجي، الاسري وغيرهم للاشتراك من هنا مجاناً.

تمت كتابة المقال بواسطة

مع خبرة واسعة، بروفيسور مروان دويري يجمع بين المعرفة والاهتمام ليقدم لك الدعم الذي تحتاجه في رحلتك نحو الصحة النفسية.

مشاركة المقالة

تطبيق حاكيني

يمكنك الوصول بسهولة إلى خدماتنا من خلال تطبيق حاكيني للهاتف المحمول. استمتع بوصول غير محدود إلى البرامج والدورات والتمارين المسجلة مسبقًا والتواصل السلس مع المستشار الخاص بك.

app-store google-play

جلسات استشارة نفسية أونلاين، مع أمهر الاخصائيين النفسيين

screenshot screenshot

جرب برامج المساعدة الذاتية، والتي تحتوي على كورسات تأمل ويقظة ذهنية، تمارين عملية لتعزيز صحتك النفسية، بالاضافة لمعلومات عن الاضطرابات النفسية والشخصية

screenshot screenshot
app-store google-play

قد يعجبك أيضًا

الأمل في التغيير - ما بين خطط العام الحالي والعام القادم
د. هانية عبيد
انتحار الأطفال و المراهقين
د. سماح جبر
الشخصية الهستيرية – أنواع و علاج والفرق بينها وبين النرجسية
فريق حاكيني

انضم إلى قائمتنا البريدية

انضم إلى النشرة الإخبارية واحصل على آخر المقالات في حاكیني ثقافة