رسالة لكل من يبحث عن جوهر نفسه.
حياتنا اليوم هي نتاج للأفكار والمعتقدات التي نؤمن بها، وهذه الأفكار والمعتقدات ما هي سوى حصيلة تجاربنا، خبراتنا، وذكرياتنا السابقة التي تحمل في طياتها عواطف مختلفة، وقد تكون هذه الخبرات والذكريات التي تنطوي على مشاعر مختلفة هي الدافع أو بمعنى آخر المحرّك للسير قدماً نحو حاضر ومستقبل أفضل، وقد تكون عكس ذلك تماماً، حياة مليئة بالتشاؤم والكسل والإحباط. وفي هذا المقال سنركز على المشاعر الإنسانية الأساسية وفهم أهمية هذه العواطف الإنسانية التي تعتبر جزءاً هاماً من كينونتنا وجهازنا العصبي، والتي من خلالها نتفاعل مع محيطنا الاجتماعي ومع ذاتنا ونحدد خطواتنا الفعلية نحو تحقيق أهدافنا.
إن هذه العواطف الإنسانية التي يمتلكها كل إنسان على هذه الخليقة سواء كان أميراً أو فقيراً، حدّدها العالم بول إكمان في ستة أنواع وهي "السعادة، الحزن، الاشمئزاز، الخوف، المفاجأة والغضب". ولكلّ نوع من هذه المشاعر دور هام في حياة الفرد، فمشاعر الحب تحسّن الحالة المزاجية للفرد وتساعد للتغلب على التوتر والإحباط، أما مشاعر الخوف فلها دورٌ في حماية الفرد من المخاطر أو الوقوع في أخطاء، وشعور الغضب يدلّ في كثير من الأحيان على احتياجاتنا فقد نعبر بالغضب عن حالة فقدان شخص نحبه، فالغضب يساعدنا على تحديد ومعرفة احتياجاتنا وقد يكون محفّزاً لإيجاد الحلول أو للتعامل مع أزمة معينة قد يمر بها الفرد، وأخيراً شعور الاشمئزاز ما هو إلّا مؤشر على أن هنالك شيء معين نرفضه بحياتنا ولا نرغب بوجوده ويحمينا من الوجود في دوائر اجتماعية غير مناسبة لنا.
ولهذا فإنّ لكل شعور مفتاح محدّد يساعدنا على فهم ذاتنا واحتياجاتنا وعلى التعاطف مع الآخرين والتعامل مع المواقف المختلفة، وهذه سيعبر عنها في المواقف اليومية التي نعيشها سواء كانت تجربة سعيدة أو أليمة، ناتجة من تجربة صادمة أو بسبب آشخاص آخرين أو بسبب خطأ ما. سنقف أكثر عند المشاعر الصعبة التي نحاول باستمرار تجنبها وكبتها أو تجاهلها، تلك التي لا نستطيع البوح بها لما تحمله من ألم ومعاناة، لكنها ستظهر إمّا في زلات اللسان أو في ردود فعل مفاجئة، أو حتى في الأسئلة التي دائماً ما نحتفظ بها لأنفسنا ولا نقوى على مشاركتها مع الآخرين والتي ستنعكس في حياتنا من خلال انعدام الثقة بالنفس والخوف المستمر والشعور بالعار أو الخجل، بالإضافة الى المعتقدات الخاطئة التي تتبلور في أذهاننا بسبب تراكمية الأفكار السلبية: كعدم الاستحقاق، وقلة تقدير الذات والتسويف، والخوف من الفشل وعدم القدرة على حل المشكلات، بالإضافة إلى الصعوبة بالتواصل مع الآخرين والتعاطف معهم ومعرفة احتياجاتهم لوجود عائق بالتواصل مع ذاتنا الأصيلة.
هذه العواطف المركبة الناتجة من معاناة مستمرة بسبب تجربة أليمة قد تعرضنا لها، تشكل تحدياً حقيقياً في حياة كل فرد، والتي تعيق الوصول الى أهدافنا وأحلامنا، وتحقيق رغبات موجودة منذ زمن طويل، لذلك لا بدّ من مواجهتها لتعزيز تطورنا من خلال التواصل الذاتي مع أرواحنا ومع طفلنا الداخلي،والاعتراف بهذه المعيقات.
ولنستطيع تحقيق ذلك بطريقة عملية، فإن ما يتطلبه الأمر من كل فرد أن يحاول الاعتراف بصدق بينه وبين نفسه ما هو المعيق الذي يمنع وصوله للسلام الداخلي؟ ماذا يحدث في داخلي؟ ما هو سببه؟ والإجابة عن هذه التساؤلات ما هي إلا لحظة اعتراف صادقة بين المرء وذاته وهذا الاعتراف هو جزء كبير من حل المشكلة. وضمن هذه الصيرورة الذاتية يمكن للفرد أن يقرر إن كان جاهزاً لإتخاذ القرار بالتخلص من معيقاته التي تمنع وصوله للسلام الداخلي، أو إنّه ما زال يحتاج لبعض من الوقت، أو تّقبل هذه المعيقات وقرر أن يبقى في منطقة الراحة التي تحميه لفترة مؤقتة.
مما لا شك به أن هذا التواصل الذاتي الذي يساعدنا على معرفة حقيقة أنفسنا، هي عملية صعبة وقاسية لأن الحقيقة هي شيء مؤلم ومجرد، إلا أنها الشيء الوحيد الذي سيقودنا إلى السلام الداخلي والحرية.
وكما يقول سيدنا عيسى عليه السلام: "ستعرف الحقيقة، والحقيقة ستحررك"، إن الحقيقة هي الشيء الوحيد الذي سيحررنا من معيقات تقدمنا وتطورنا في هذه الحياة، وسنستطيع أن نواجه تحديات الحياة المستمرة بقوة وثبات، إن هذه المقالة أو إن صح التعبير هذه الرسالة ما هي إلا دعوة للتفكر بعمق، أين نحن من تحقيق أهدافنا ورغباتنا؟ هل نعيش في دوامة من القلق والتوتر أم هل نشعر بالسلام الداخلي والتوافق مع المجتمع ومع ذاتنا؟ هل نحن منسجمون بشكل حقيقي مع المجتمع الذي نعيش به؟ إذا كانت الإجابة لمعظم هذه الأسئلة "لا"، حاول التركيز على الطرق العملية التي ذكرناها في هذا المقال، اقرأ وثقف نفسك أكثر حول المعيق الذي يقف حائلاً دون تحقيق رغباتك وكن شجاعاً اليوم واطلب المساندة والدعم من محيطك المشجع أو اطلب المساعدة من مختصيين موثوقين بمجال الصحة النفسية، أقدم على هذه الخطوة بكل ثقة.