الكذب سلوك شائع بين البشر بدءًا من مرحلة الطفولة حتى الكبر، ويُعد هذا السلوك في بعض الحالات طبيعيًا وعابرًا. وقد يلجأ إليه الأفراد لأسباب متنوعة بدءًا من حماية النفس من العقاب و الخسارة وحتى تحقيق مكاسب شخصية. و لكن عندما يتطور ليصبح اضطرابا يُعرف بِ اضطراب الكذب المرضي و يتسم بسلوك متكرر وغير مبرر، ولا يكون مدفوعا بمصلحة واضحة او مكسب ملموس من الكذب، هنا يجب اللجوء إلى عالم علم النفس.
في هذا المقال من موقع حاكيني الذي يقدم خدمات العلاج النفسي، سنكتشف أبعاد اضطراب الكذب المرضي، حيث سنحاول الإجابة على العديد من الأسئلة التي تدور حول هذا الموضوع، و أنواعه، وما هو الكذب الباثولوجي أو الكذب المرضي، وهل الكذب من أعراض المرض النفسي؟ وكيف يمكن علاج اضطراب الكذب المرضي؟
هل الكذب من أعراض المرض النفسي؟
جميع الأشخاص يقومون بالكذب، ويشعرون بالراحة من خلاله وغالبًا لديهم دوافع واضحة مثل تجنب العقاب، وهو ليس دليلاً على وجود مرض نفسي. لكن عندما يتحول الكذب العادي إلى سلوك دائم دون وجود سبب واضح ولا يستطيع الفرد التوقف، هنا يتحول إلى اضطراب الكذب المرضي.
اضطراب الكذب المرضي لا يمكن للفرد التحكم فيه، ويشكل عائقًا له أمام حياته الاجتماعية وعلاقاته مع الأشخاص، ولا يجد الفرد سبب لما يقوم به. هنا يقوم الفرد بالكذب بهدف الكذب فقط وتصبح حالة ملازمة له في كل الأحوال.
يتسم اضطراب الكذب المرضي بسرد أكاذيب حول أمور بسيطة وأخرى كبيرة مثل خطط عطلة نهاية الأسبوع، أو تفاصيل عن التجارب الحياتية، العمل، أو الدراسة، أو العلاقات. قد يبدو هذا السلوك كصفة شخصية غير محببة تهدف الى تحسين صورة الفرد امام الآخرين دون تحقيق مكاسب حقيقة. ومع ذلك، فإن التواجد ضمن الدائرة المقربة لشخص يعاني من اضطراب الكذب المرضي يمكن أن يكون تجربة مرهقة للغاية، حيث يصبح من الصعب الوثوق به حتى في المواقف العادية.
و في بعض الحالات قد يكون الكذب إشارة إلى وجود اضطراب نفسي أعمق، وهو عرض جانبي لبعض الأمراض النفسية والاضطرابات النفسية مثل:
اضطراب الشخصية الحدية: هنا يستخدم الأفراد الكذب كوسيلة للتأقلم مع شخصيته أو تجنب المواقف الصعبة.
اضطراب الشخصية النرجسية: الشخص النرجسي من أسوأ أنواع الشخصيات التي يُريد بها الفرد أن يظهر بين الجميع، بكل تكبر وغرور ويكذب حتى يقوم بعدم الكشف عن أخطائه و عيوبه أمام الآخرين. و قد يكذب الكاذبون النرجسيون المرضيون من أجل جذب الانتباه، أو لجعل أنفسهم يشعرون بتحسن، أو ليشعروا بالتفوق على الآخرين لتحقيق مكاسب ذاتية.
اضطراب الوسواس القهري: قد يظهر الفرد الكذب كوسيلة لتجنب الأفكار الوسواسية.كما، توجد روابط بين اضطراب الوسواس القهري واضطراب الكذب المرضي حيث يمكن أن يكون الكذب إجبارًا حقيقيًا لدى الشخص الذي يعاني من اضطراب الوسواس القهري، أو يمكن أن يكون طريقة سلبية للتكيف.
اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع: هذه الشخصية خطيرة و تتميز بوجود تلاعب وقسوة تجاه الآخرين من أجل التسلية الشخصية وقد يقوموا باستخدام الكذب المرضي للتلاعب بالأشخاص من حولهم أو إيذاء مشاعرهم والتسبب بالضرر لهم.
ومع ذلك، يختلف اضطراب الكذب المرضي عن هذه الحالات؛ فهو يكون حالة منفصلة تتميز بالكذب المستمر دون سبب واضح أو فائدة مباشرة.
ما هو سبب الكذب المرضي؟
اضطراب الكذب المرضي له عدة أسباب متنوعة تختلف من فرد إلى أخر وهي:
الأسباب النفسية:
الصدمات النفسية في مرحلة الطفولة أو المراهقة التي يتعرض لها الفرد مثل التحرش الجنسي، الحروب، طلاق أحد الوالدين، وفاة أحد الوالدين وغيرها الكثير.
اضطراب الشخصية الحادة مثل اضطراب الشخصية الحدية أو النرجسية.
غياب الثقة بالنفس، وقلة تقدير الذات والرغبة في لفت الانتباه وجذب الأضواء في الوسط الاجتماعي.
الأسباب البيولوجية:
اختلال في كيمياء الدماغ، وخصوصًا المنطقة المسؤولة عن التحكم في السلوك والدوافع، حيثُ أن لديهم المزيد من المادة البيضاء في قشرة الفص الأمامي من الدماغ، ولديهم عجزًا في المادة الرمادية.
إصابات في الدماغ التي تؤثر على الفص الأمامي.
اضطرابات في عمل النواقل العصبية في الدماغ التي تؤثر على السلوك.
قد أظهرت الدراسات أن الكاذبين المرضيين لديهم المزيد من المادة البيضاء في قشرة الفص الجبهي، وهو الجزء الأمامي من الدماغ. كما أظهرت الأبحاث أن لديهم عجزًا في المادة الرمادية في الدماغ أمام الجبهي.
الأسباب البيئية والاجتماعية:
تأثير البيئة الاجتماعية الضاغطة على الفرد والتي تتوقع منه الكمال في الحياة، فيلجأ إلى الكذب للهروب وكسب رضى المجتمع.
البيئة الاجتماعية التي تشجع على الكذب سواء الأقران أو الأسرة.
التعرض لمواقف تتطلب الكذب كوسيلة للبقاء أو التكيف.
انعدام الأمان بشأن الهوية الشخصية ويصاب الفرد بـ اضطراب الكذب المرضي نتيجة استخدامه كوسيلة دفاع لمنع السخرية أو الاستبعاد الاجتماعي.
المحاولة للحفاظ على السمعة والمكانة الاجتماعية في الوسط الاجتماعي، خصوصًا في المجتمعات التي تركز على المظهر أو الوضع المالي.
تعاطي المخدرات حيثُ يعاني مدمني المخدرات من مشاكل في الصدق واللجوء إلى اضطراب الكذب المرضي لمحاولة إخفاء الأعراض والعلامات، ومحاولة جذب الانتباه والاستعطاف.
أنواع الكذب في علم النفس
في عالم علم النفس يُقسم الكذب إلى أنواع منها:
- الكذب الاجتماعي: يُعد من الأنواع البسيطة وغير الضارة، ويهدف الى تجنب إيذاء الآخرين أو تفادي الصراعات، كما يستخدم هذا النوع أحيانًا للمزاح أو لتسهيل التفاعلات الاجتماعية.
- الكذب الدفاعي: يلجأ اليه الفرد في مختلف المراحل العمرية للدفاع عن نفسه او تجنب العقاب، سواء في محيط الأسرة، المدرسة، او العمل، كما يستخدم للحماية من الإحراج.
- الكذب التخيلي: يقوم فيه الفرد بتضخيم الأحداث أو اختراع قصص لتحسين صورته، وإذا قام الفرد باتباع هذا النوع من الكذب فإنه يُطلق عليه بعض الألقاب التي تصف كذبه وتهويله للأحداث.
- الكذب النرجسي: يقوم به الفرد بهدف تضخيم الأمور الإيجابية والإنجازات وإخفاء العيوب والأخطاء.
- الكذب المرضي (الباثولوجي): وهو الكذب القهري الذي لا يخضع لسيطرة الفرد، ويُعتبر اضطرابًا نفسيًا، ويحرفون الكذابون الحقيقة حول كل شيء، كبيرًا كان أم صغيرًا. ويشعرون بأن الكذب هو الشيء الصحيح.
ما هو الكذب الباثولوجي ؟
الكذب الباثولوجي أو الكذب المرضي وأحيانًا يُطلق عليه الكذب القهري، هو اضطراب نفسي يتميز بميل الفرد الدائم للكذب دون وجود سبب واضح أو مبرر لذلك. ويجد الفرد في اضطراب الكذب المرضي صعوبة في التمييز بين الحقيقة والخيال، وفي كثير من الأحيان يُعبر عن حاجة نفسية للشعور بالاهتمام أو السيطرة. كما أن الأشخاص المصابين بـ اضطراب الكذب المرضي الباثولوجي يخترعون الكذبة ثم يصدقونها ويعيشون في تفاصيلها كأنها حقيقة.
علامات وجود الكذب الباثولوجي:
- يقوم الفرد بتكرار الكذب حتى في الأوقات التي يكون من السهل عليه قول الحقيقة فيها.
- يميل الأشخاص المصابون بـ اضطراب الكذب المرضي إلى الكذب الدائم والمستمر حتى في الأمور الغير هامة والتي لا تتطلب الكذب مثل الكذب في المواعيد وفي الوجود بأماكن معينة دون وجود سبب واضح.
- يقوم الفرد برواية قصص غير منطقية ودرامية ومبالغ فيها.
- لا يوجد سبب أو هدف واضح للكذبة.
- يصعب على الفرد السيطرة على نفسه ومنعها من قول الأكاذيب، ويكذبون بشأن التفاصيل الغير مهمة كذلك.
- لا يشعر هؤلاء الأفراد بالندم أو الأسف على قولهم الأكاذيب أو خداع الأشخاص بل يعتبرونها نوع من الذكاء، ويحاولون الدفاع عن هذه الأكاذيب بشدة كأنها حقيقة.
- الكذب المتكرر الذي يقوم به الفرد المصاب بـ اضطراب الكذب المرضي يؤدي إلى تدمير العلاقات الاجتماعية و يجد الآخرين من محيطهم سواء في الأسرة، العمل أو المدرسة أو الجامعة صعوبة في الثقة بهم أو تصديقهم بعد فترة من الزمن.
- القلق والتوتر أثناء اضطراب الكذب المرضي
خصائص الكذب الباثولوجي:
مقنع جدًا للأخرين من دقته وحتى الشخص نفسه يصدقه.
لا يوجد له أي مكاسب مادية أو اجتماعية واضحة.
غير مخطط له ويحدث عفويًاـ فهو أصبح طبع للفرد.
هل أنت مجامل أم مريض بالكذب القهري؟
من أكثر الأسئلة الجدليّة التي نقع بها هو أن نقوم بسؤال أنفسنا هل نحن نقوم بمجاملة الناس حقًا أو كذبنا بهدف المجاملة هو كذب قهري! هُنا في هذه الفقرة سوف نحاول التفرقة بين المجاملة و اضطراب الكذب المرضي " القهري" على النحو التالي:
المجاملة:
تقتصر على مواقف محددة وتكون لديهم سبب واضح ومحدد بهدف تحسين العلاقات الاجتماعية مع الأهل، الأصدقاء أو بيئة العمل.
يهدف إلى حماية مشاعر الآخرين و موجودة بين كل الثقافات العربية والغربية.
الكذب المجامل لا يتكرر، بل يحدث بين فترة وأخرى، ولا يؤثر على حياة الفرد أو من حوله.
اضطراب الكذب المرضي " القهري"
سلوك دائم و غير مبرر لا يوجد سبب واضح له، ولا يقتصر على مواقف محددة، بل يستخدمه الشخص دائمًا في المواقف التي تستدعي الكذب والتي لا تستدعي ذلك.
يكون بهدف تحقيق مكسب شخصي أو تجنب العقاب.
اضطراب الكذب المرضي يُسبب مشاكل اجتماعية بسبب استمراره وكثرته، مما يدفع الأشخاص المحيطين به إلى الوقوع بالمشاكل ولا يعرفون كيف يتصرفون معه ومتى يصدقونه.
اضطراب الكذب المرضي خطير لأنه يصبح جزءًا من شخصية الفرد ويؤثر بالسلب على حياته الاجتماعية والمهنية والعلمية.
إذا كنت تشك في أنك قد تعاني من اضطراب الكذب المرضي " القهري" فمن الأفضل لك التوجه نحو مواقع الصحة النفسية الموثوقة مثل حاكيني للخدمات النفسية والتوجه إلى الاستشارات النفسية أونلاين والتحدث مع المختص النفسي المناسب بسرعة وبسهولة لتقييم حالتك، و توفير الخطة العلاجية المناسبة.
كيف يتم علاج مرض الكذب؟
نظرًا لأن اضطراب الكذب المرضي ليس حالة طبية قائمة بنفسها، فلا يوجد علاج محدد وواضح له، لكن يمكن معالجته من خلال معالجة المشكلة الأساسية التي تسببه، و يمكن اتباع الطرق التالية في المعالجة:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT) حيثُ يُساعد الأشخاص على تحديد أنماط التفكير غير الطبيعية وتغييرها مثل الرغبة الكبيرة في الاهتمام التي تُثير الرغبة في الكذب وتحديد أنماط بديلة أكثر صدقًا للاستجابة.
- العلاج السلوكي الجدلي (DBT) الذي تم تطويره في الأصل لعلاج اضطراب الشخصية الحدية، ويجمع بين عناصر العلاج السلوكي المعرفي وتقنيات اليقظة ويعلم المرضى كيفية تنظيم عواطفهم، وتحمل الضيق، وتحسين العلاقات الشخصية. قد يكون هذا العلاج مفيدًا بشكل خاص ل اضطراب الكذب المرضي الذين يعانون من عدم الاستقرار العاطفي والاندفاع.
- العلاج الجماعي: العلاج الجماعي والعلاج الأسري مفيدان جدًا لمعالجة اضطراب الكذب المرضي حيثُ أن الكذب ظاهرة اجتماعية، لذا فإن معالجتها من منظور اجتماعي يمكن أن يساعدهم على اكتساب نظرة للطرق التي يتعاملون بها مع الآخرين. ويمكن للعائلة مساعدة الكاذب المرضي على فهم كيف أن عدم صدقه يضر بعلاقاته الاجتماعية.
البحث عن مساعدة من المختص النفسي واستخدام المنصات الموثوقة التي توفر الدعم والحلول النفسية المثالية المتخصصة.
يُعتبر اضطراب الكذب المرضي ليس نهاية المطاف، وليس مشكلة كبيرة لا يمكن حلها، بل من خلال الفهم الصحيح للحالة واللجوء إلى العلاج المناسب والدعم اللازم من الأهل والأصدقاء فهي الخطوة الأولى نحو حياة أكثر استقرارًا و صحة نفسية أفضل.
المصادر والمراجع: